هذه قصيدة في رثاء الدكتور عبدالرحمن بن سليمان المطرودي وكيل وزارة الأوقاف الذي وافته المنية يوم الجمعة الموافق 27-7-1431هـ إثر نوبة قلبية مفاجئة، وقد كنت معه يوم الخميس حتى صلاة المغرب وقد فوجئت بالخبر صباح يوم الجمعة فكان للخبر وقعٌ شديدٌ على الجميع أسأل الله له المغفرة وجنات النعيم.
|
أي خطب أراه بي اليوم حلاّ |
فجَّر الدمع من عيوني فهلاّ |
لمَ قلبي فيه اللواعج شبت |
وسواد الأحزان وجهي أظلاّ؟ |
لمَ زفراتي أنهكت جوف صدري |
بنشيجٍ من الحشاشة سلاّ؟ |
ما لكرب أطمَّ..أطبق..أهوى |
فوق أرجاء أرضنا فأعلاّ |
مهجا فانطوت من الحزن حتى |
كاد منها الجنان أن ينسلاّ؟! |
فجعت أمتي بخطب جليلٍ |
فقدت فيه بدرها إذ تجلَّى |
كان في منزل السمو ضياءً |
يمنح النور مشرقاً حيث حلاّ |
فجأة غاب مختف يالروعي |
كنت أمسي بأنسه أتسلى |
أي نعم أمسي القريب وكنا |
معه خلاّّ زار في الله خلاّ |
في حديثٍ سام المعاني وعذبٍ |
لؤلؤاً بالصدق النقيِّ تحلَّى |
ليته دام بيننا وتوالى |
فالأخلاّء قولهم لن يملاّ |
لم يدر في خلدي أو في خيالي |
أنني لن ألقاه لا ثم كلاّ |
لَهْف نفسي ما قيل قد مات إلاّ |
قلت: لا ليس صاحبي. قيل: إلاّ |
فتعجبت واعتراني ذهول |
طار عقلي من وقعه واختلاّ |
نصف يوم ما بين جلسة أنس |
وفراق بل كان حتى أقلاّ! |
لم يزل صوته بأذني رنيناً |
ينعش النفس شَدْوُه ما اضمحلاّ |
لم يزل طيفه بعيني أراه |
في محياه بسمة تتجلَّى |
وأسارير شع منها ضياءً |
وجهه بالرضى كبدرٍ أطلاّ |
لم يزل برد الكف منه بكفي |
بالوفا قطر المزن بالغيث بلاّ |
إيه ما أشنع المصاب إذا ما |
جاء كالسهم ثم في القلب حلاّ |
لم يُرى راميه ليُحذر منه |
بغتة ما بين الضلوع انسلاّ |
ويزيد المصاب في النفس وقعاً |
عندما يُفقد الكرامُ الأجلاّ |
مثلُ عبدالرحمن ذو النبل جوداً |
وقياماً بالأمر حين تولَّى |
مخلصاً فيه ليس يبغي ثناءً |
إنما يقصد الكريم الأجلاّ |
كل قولٍ بحقه لا يوفي |
كلما زدتُ صرتُ فيه مقلاّ |
هو إخلاصٌ في سموِّ طباع |
في ابتسام الحاني بعقلٍ تحلَّى |
هو نبلٌ في عزةٍ في إباءٍ |
عن دنيء الأفعال طبعا تخلَّى |
هو جودٌ في رقةٍ في ودادٍ |
في ارتقاءٍ لقمةٍ قد تعلَّى |
هو عطفٌ لطفٌ وغيثٌ عميمٌ |
أينما حل مزنُه الخيرُ هلاّ |
هو إحسانٌ للضعيف، ملاذٌ |
لمن احتاج في المصاعب حلاّ |
هو عِلْمٌ حذْقٌ وفهمٌ عميقٌ |
وله في الإبداع سهمٌ معلَّى |
سل بريطانيا وسل قاطنيها |
كم له فيهم بصمة تتجلَّى |
سل ميادين دعوةٍ في رباها |
كم بها كان بذله مستهلاَّّ |
سل جماعاتها وكيف سقاهم |
كأس تأليفٍ منه صاروا أخلاّ |
ثم سل بعد ذاك جامعة قد |
كان فيها فرعاً فأصلاً فكلاّ |
ساعداً للمدير بالفكر والرأي |
وفي الأعمال الجليلة ظلاّ |
سنواتٍ، آتت ثماراً كباراً |
وهو إحدى تلك الثمار الجُلَّى |
خرَّجته فكراً أصيلاً منيراً |
عن عرى الدين الحق لم يتخلَّى |
إذ تخلى سواه عنها هوىً أو |
طمعاً، وهو ثابتٌ ما زلاّ |
عنه سل قاعات الدروس بها هل |
منه ملَّ الطلاّب أو هو ملاّ |
أم يراه الطلاّب في كل يومٍ |
لهمو والداً وشيخاً وخلاّ |
ثم سل عنه بعد ذلك حقلاً |
كان مصفراً قبله معتلاّ |
تعصف الذكريات فيه وتبني |
فوق أطرافه من الرمل تلاّ |
تختفي تحته كنوز وصايا |
أهله الغابرين مالاً مخلَّى |
نهب المحتالون من بعضها أو |
عُطلت دهراً دربُها ما دُلاّ |
وعثت بالحقل الأيادي فساداً |
تنزع الزرع منه عصفاً وتلاّ |
جاءه المطروديُّ يطرد عنه |
كل عاد كان له مستغلاّ |
وسقى الحقل من مياه تفاني |
نبع إخلاصه الذي قد تجلَّى |
فتنامى واخضر، سنبل، أضحى |
مستو فوق سوقه، فتدلَّى |
حصدته الأيدي الكريمات قوتاً |
مغنياً مسكيناً رأى الفقر ذلاّ |
وبنى حول الحقل سوراً محيطاً |
صار سدا ضدَّ الرياح معلَّى |
وأزاح الرمال عنه فأضحى |
كلّ كنزٍ تحت التراب مجلَّى |
وسعى في إحصاء ما يحتويه |
كلَّ كنزٍ موثقاً مستدلاّ |
بالعلاّمات للوصول إليها |
من دروب كانت خفاءً فجلَّى |
حفظ الأوقاف التي وَجَدَتْ من |
كلِّ محتالٍ ريعَها قد غلاّ |
فتهامت خيراً عميماً وفيراً |
سجلتها الأيدي سجلاّ سجلاّ |
أدرك الموتى نفعُه وهمو قد |
أرموا في قبورهم إذ ولَّى |
من يخاف المولى على أوقافٍ |
لهموا، كان نفعهنَّ أشلاّ |
نظَّم الأوقاف وأرسى بناها |
فنمت خيراتُ المشاريع جلَّى |
وسعى سَعْيَ حاذقٍ ألمعي |
لنراها صرحاً غدا مستقلاّ |
إيه، عبدُالرحمن كيف أعزِّي |
فيه نفسي، فراقه لي أعلاّ |
وأعلَّ الأب المريض وأمَّاً |
سقمت، صار جسمها مضمحلاّ |
وأعلَّ البنات والزوجة الثك |
لى وإخوانه وصحباً أخلاّ |
فوجوهٌ حزينة وعيونٌ |
ذارفاتٌ بدمع عين هلاّ |
لفراق المحبوب من غير سقمٍ |
فجأةً، كان حاضراً ثم ولَّى |
غير أن العزاء فيه بأنَّا |
قد رأينا حسن الختام تجلَّى |
في قيامٍ إلى الصلاة وفجر |
قامه من خلف الإمام فصلَّى |
ثم في بر الوالدين وقد جا |
ء وحرُّ الفؤاد قد ملَّ ملاّ |
قبل الرأس منهما وسقى الأمَّ |
دواها والوالدَ المعتلاّ |
ثم في موته على طاعة مغت |
سلاّ صبح جمعةٍ قد أطلاّ |
مستعداً بأن يلاقي إلهاً |
فعسى يلقى وجهه ولعلاّ |
ثم في ذكره لدى الناس بالخي |
ر ثناءً أزكى، دعاءً أجلاّ |
ثم في أجر أرتجيه له من |
كل وقفٍ أجراه كان مُخلَّى |
فجزاه الرحمن جنات عدنٍ |
وقصوراً شيدت وماءً وظلاّ |
سعود بن عبدالرحمن الجبرين |
|