نشرت جريدة (عكاظ) بتاريخ 24 - 8 - 1430هـ على لسان رئيس المجلس الأعلى للقضاء معالي الدكتور صالح بن حميد عن أن هناك نية لزيادة رواتب القضاة العاملين في جميع المحاكم بالمملكة؛ وسوف يشمل هذا النظام أو اللوائح - كما جاء في التصريح - ليس الراتب فحسب وإنما بعض المزايا المالية والمعنوية الأخرى التي من المتوقع أن تمنح للقضاة. ومثل هذا التوجه الذي كشف عنه الدكتور بن حميد هو من حيث المبدأ صحيح ولا غبار عليه؛ فيجب أن يعالج سلم رواتب القضاة وامتيازاتهم بين حين وآخر؛ فالقضاة هم أولاً وأخيراً حراس العدالة في البلاد، ومعالجة أوضاعهم المعيشية مرتبطة ارتباطاً مباشراً بدعم مبدأ العدالة، لذلك لا بد من التعامل مع (راتب وامتيازات) القاضي بخصوصية تميزه عمّن سواه من موظفي الدولة، كي ينأى به مثل هذا التميّز عن البحث عن موارد مالية أخرى للوفاء باحتياجاته. فالاتكال على الديون، والاكتفاء بالذمة والورع، والنزاهة، وعدم السعي في الأسباب بإهمال الجوانب الأخرى، قد يجعله يلجأ تحت إلحاح العوز لحل متطلباته الحياتية بطرق غير مشروعة، حتى وإن كان هناك جهات أعلى في السلك القضائي تقوم بالمراقبة والإشراف، ومراجعة الأحكام، إلا أن تلك الجهات - رغم أهميتها في تحري العدالة - لا تكفي؛ وهذا لا يُعفي الدولة من ضرورة العمل بين الحين والآخر لتلبية احتياجات القضاة المعيشية لإشباع حاجاتهم ومن يعولون.
غير أن هناك بعض الملاحظات على ما صرح به رئيس المجلس الأعلى للقضاء العام الماضي، وما تلاه من منشور - في نفس الجريدة وفي نفس الشهر من هذا العام بتاريخ 2 - 8 - 1431ه أود أن أطرحها في هذه العجالة.
أولها : لا أجد مبرراً لأن يحمل القاضي (الجواز الدبلوماسي)؛ فالقاضي من حيث المبدأ لا علاقة له بالشأن الدبلوماسي في الدولة؛ وعندما تلحقه بالدبلوماسيين فأنت هنا قد تمس بمبدأ حياديته شكليا على الأقل؛ ثم ماذا سيستفيد القاضي من كونه يحمل جوازاً دبلوماسياً في سفراته الخارجية، وعمله مختص بالداخل وليس بالخارج؟
النقطة الثانية التي أجد أن النظام لم يعالجها كما ينبغي هي تلك المتعلقة بإغداق العطايا والامتيازات على الملتحق بالسلك القضائي بمجرد أن يتم تعيينه كملازم قضائي، بينما أن مثل هذه الامتيازات يجب أن تؤجل، وتكون حافزاً له بعد أن يعين قاضياً وليس لمن هو في طور التدريب كالملازم القضائي مثلاً.
كما أن هناك جانبا كان يجب أن تتطرق إليه هذه اللوائح بوضوح، وهو المتعلق بمنع القاضي من القيام بأي عمل سياسي، أو توقيع أية بيانات، سواء في القضايا الداخلية أو الخارجية طالما أنه على رأس العمل؛ ويجب أن يعاقب كل قاضٍ ينضم إلى أحزاب أو مجاميع، حتى وإن كانت توعوية أو دعوية، من شأنها المساس باستقلالية القضاء؛ هذه النقطة يجب أن تطرح بصورة واضحة وحازمة وقطعية؛ خاصة وهناك قضاة يوقعون على أي (بيان) يعرض عليهم، حتى إن كان عن قضية في جزر الواق واق؛ وغني عن القول إن مثل هذه التصرفات غير المسؤولة تمس باستقلال وحيادية القاضي من حيث المبدأ.
النقطة الأخيرة والتي لا بد من إثارتها في هذه العجالة إن (تسريب) مشاريع هذه الأنظمة واللوائح إلى العلن قبل أن تكتمل، وتُقر من السلطات العليا تعتبر (سابقة خطيرة). هذه الممارسة - خاصة ما نشر في عكاظ في التاريخ المذكور - كان يجب أن ينأى بنفسه عنها رئيس المجلس؛ فتصرف كهذا من شأنه أن يُحرج السلطات العليا، فالرواتب والامتيازات تأتي قانوناً ضمن تقدير صاحب القرار لرجال عدالته ولا تُجيّر بعملية استبقاية لأي شخص، وعلى خلفية الاستطراد السابق ما ذا لو تم تعديل بعض البنود، أو إلغاء بعض الامتيازات، كالجواز الدبلوماسي - مثلاً - الذي لا أجد - إطلاقاً - أي مبرر لأن يحمله القاضي. لذا كان من المفروض أن يتريث رئيس المجلس ريثما يتم وضع النظام على الأقل في صيغته النهائية؛ أما أن يقوم هو - وليس غيره - بتصريح رسمي عن الموضوع قبل سنة، ثم يحصل قبل أيام تسريب لتفاصيله في نفس الجريدة، فهذا بالفعل ما يدعو إلى التساؤل، وقد تم تعديل سلم رواتب وبدلات أكثر من قطاع بما فيها القضاء - وعلى أكثر من مرة - ولم تُسبق بإعلانات ومانشيتات في الصحف، فصاحب القرار دستورياً هو الذي يكرم موظفي دولته ولايجوز لأي شخص أو أي جهة أن تُحرج مرجعيتها العليا وتنتحل هذه الصلاحية وتستأثر بمكرمتها - ببعدها السياسي والوطني -، بأسلوب مباشر أو غير مباشر!
إلى اللقاء..