شيخ القبيلة له مكانة كبيرة لدى قبيلته والقبائل الأخرى، وهذا يعتمد على جدارته وثقة القبيلة به، ولابد أن يتمتع بخصال القيادة ومنها الشجاعة والإقدام والاستضافة والكرم والهمّة والحكمة، ومن خلال المعارك والحروب والغارات بين القبائل في عصور سابقة برزت أسماء بقيت لقرون عديدة، كما إنه من خلال مكارم الأخلاق والعفو وإغاثة الملهوف والكرم ومساعدة المحتاج، وغيرها من القيم، برزت أسماء كثيرة، ولا زال الناس يتداولون هذه الأسماء بكل اعتزاز. إنّ هذه المواقف تشكِّل تاريخاً مهماً موحداً تشترك فيه كل القبائل العربية وشعوبها، لأنّ العربي يدافع عن المكارم ويموت في سبيلها. وقد يظن البعض أنّ التحدث عن القبيلة يعني العصبية وهذا مفهوم خاطئ، لأنّ المنهي عنه شرعاً هو التعصُّب للجماعة والانتصار لرأيها حتى لو كان باطلاً.
وإذا علمنا أنّ العدو لا يتم دفعه إلاّ باجتماع وجماعة وقائد ونظام، فإنّ دور القبيلة وشيخها مهم جداً منذ أقدم العصور، حيث كان للقبيلة وشيخها دور مؤثر في مناصرة الملك عبد العزيز، وأصبح هؤلاء المشايخ جنوداً في جيشه - يرحمه الله -، مخلصين مدافعين عن الحق، حتى إنّ أحد شيوخ القبائل دخلت عليه امرأة تطلب منه الشفاعة لدى الملك عبد العزيز لإطلاق سراح ابنها السجين في ذلك الوقت وأبلغته باسمه، فما كان منه إلاّ أن ركب ذلوله من ينبع متجهاً إلى الرياض، وعند وصوله قابل الملك عبد العزيز وقد نسي اسم السجين، فقال للملك طلبتك (يابو تركي) فقال له أبشر، قال أريد منك إطلاق سراح جميع المساجين، فلبّى الملك عبد العزيز طلبه وأطلقهم جميعاً ومن بينهم ابن المرأة، وهذا الشيخ هو ابن غنيم أخو سنيد شيخ قبيلة جهينة، وموقف آخر مؤثر دليل على مكانة شيخ القبيلة، فعندما كانت فرنسا تحتل سوريا ولبنان دخلت امرأة لبنانية على الشيخ طراد بن ملحم، وأبلغته أنّ ولدها الوحيد محكوم عليه بالإعدام من قِبل الحاكم الفرنسي، وعلى الفور اتجه الشيخ ابن ملحم إلى الحاكم وأطلق سراحه، وقد جمعت المرأة وزوجها كمية من الذهب والهدايا وقدّماها للشيخ فرفض أخذها، فقال أحد الوجهاء اللبنانيين هذا شيخ ناموس ما هو شيخ فلوس، من الأجدر أن تطلع الأجيال الحالية واللاحقة على مواقف هؤلاء وسيرهم، وما قدّموه في سبيل الدين والوطن وإصلاح ذات البين، ومع تغيّر الزمن ورغم الحفاظ على مكانة شيوخ القبائل، فإنّ المطلوب منهم بل ومن كل مواطن أن يكونوا صفاً واحداً ضد دعاة التفرقة والعنصرية، وأن يكون تضامنهم من أجل وحدة الوطن وخدمته والانصهار في بوتقة الإيمان بالله، بعيداً عن التفاخر والتعصب الأعمى ونبذ الأحقاد، ولا تنسوا أننا في بلد واحد يحتاج إلى أبنائه وبناته ويقدر منهم كل دور مهم في سبيل الرفعة والرقي، وهذا لن يأتّي إلاّ بتضافر الجهود وخدمة الدين ثم المليك والوطن.
****