يتذكر الدكتور جابر عصفور الزمن الجميل الذي مضى ويتحدث عنه ويحن إليه..
غاص في أعماق نفسه واستعاد ماضيا أراد أن يخدم منه الحاضر ويلتمس به سبيلا نحو المستقبل..
ماضياً مرَّ عليه سريعاً جميلاً..
بين دفتي كتاب «زمن جميل مضى» فتح د. جابر عصفور قلبه وعقله وأخرج ذكرياته.. وقال:
لا أدري من كان المسؤول عن هذا النظام الذي أسس مكتبة كبيرة عامرة في كل مدينة كبيرة من مدن مصر.. كنت أعرف مكتبة في المحلة الكبرى وأخرى في طنطا وثالثة في المنصورة.. وكنا نذهب إليها أحياناً بالدراجات في رحلات كنا مغرمين بها في أيام الصبا.. وقد توقفت طويلاً عند كتب الأدب.. هذه كتب طه حسين وإلى جانبها كتب العقاد وبعدهما أسماء كثيرة لم أكن أسمع عنها..
وأخذني صاحبي في جولة أولية أشار إلى القسم الأجنبي الذي كان يضم الكتب الأجنبية ثم القسم العربي، وأبان لي أقسام الدواليب المقسَّمة حسب الموضوعات، ومد يده إلى دولاب، وانتزع كتاباً من أحد الأرفف، وهمس في أذني بأنه سيسبقني للقراءة تاركاً لي حرية اكتشاف ما أريد واختيار ما أرغب، وتركت نفسي بين الدواليب الكثيرة، وتحركت بلا قصد سوى نهم المعرفة ورغبة الاكتشاف، فضول من يكتشف في داخله إرادة التعلم تتفجر دون عوائق، ولا أزال أمارس هذه العادة في كل مكتبة أزورها.
وتحت عنوان «زمن عبدالحليم» كتب جابر عصفور عن ذكرياته مع أغاني عبدالحليم قائلا: كنت مستعداً للكتابة، واتخذت طريقي إلى غرفة المكتب في منزلي الذي ضاق بكتبي أملاً أن أفرغ من المقالة التي كان لا بد من تسليمها في صباح اليوم التالي، وفي طريقي إلى المكتب مررت بحجرة المعيشة التي كانت تجلس فيها ابنتي تشاهد التلفزيون، وقبل أن أتطلع إلى شاشة التلفزيون سمعت صوت عبدالحليم يغني «بتلوموني ليه»، توقفت قدماي رغم إرادتي وتسمَّرت في مكاني دون أن أشعر، ولم تفارق عيناي الشاشة، وشيئاً فشيئاً نسيت الذهاب إلى المكتب، بل نسيت المقال، ووجدت نفسي معلَّقاً بالفيلم الذي جذبني إليه مع أنني شاهدته مرات، ولم أفارق مكاني إلا لأجلس على أقرب كرسي صادفته، ولم أنطق بحرف..
أعادني عبدالحليم إلى ذكريات شبابي الباكر حين كان نجماً واعداً يقترب من وجداننا إلى أبعد حد..
رأينا فيه صورتنا كأننا نتطلع في مرآة..
شاب نحيف نحيل، مرهف المشاعر، رقيق الأحاسيس، ينتسب إلى الشرائح الفقيرة..
كنا نتابع أفلامه ونرى في البطلة فتاة أحلامنا البريئة.
وتحت عنوان «الإحباط الأول» قال د. عصفور: أذكر شعوري بالفرحة الغامرة عندما تخرجت في كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1965م؛ فقد حصلت على تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وهو تقدير لم يكن قد حصل عليه أحد قبلي منذ سنوات..
وخالط شعوري بالفرحة شعور مواز بالراحة؛ فقد رأيت اجتهاد السنوات الأربع يُكلَّل بالنجاح الذي يفتح كل الأبواب المغلقة، وملأتني الآمال العريضة، وتخيّلت نجاحي موضع تكريم من الجميع، ولكن للأسف لم تسع الكلية إلى تعييني، ولم يصدر قرار بتكليفي بالعمل معيداً كما جرت عليه العادة في ذلك الوقت.