عندي، وربما عند الكثيرين غيري، قناعة بأن العبرة ليست بعدد الأنظمة أو القرارات التي تحكم أداء الأعمال والأنشطة الاقتصادية والمالية، بل بتطبيق تلك الأنظمة أو القرارات، ذلك أنه لم يتم إقرارها و إصدارها أصلاً إلا لأنها ضرورية لأداء الأعمال وتسيير الأمور وضبطها وحفظ حقوق الناس. والالتزام بالأنظمة والقرارات والحرص على تطبيقها وتطبيق العقوبات لكل من لا يلتزم بها أو يخالفها، هو معيار لحضارة المجتمع، وتعبير عن كفاءة الاقتصاد، إذ لا يمكن أن يزدهر الاقتصاد أو أن ينمو إلا في بيئة منضبطة تراعى فيها الأنظمة والقرارات التي تحكم أداء الأعمال والأنشطة الاقتصادية. ولا يقتصر هذا الأمر على الصعيد الاقتصادي، بل هو لازم لكل الأنشطة الإنسانية في المجتمع، إذ لا يمكن أن يستقيم مجتمع دون أن يحتكم إلى أنظمة وقرارات تطبّق على الجميع وبدون استثناء أو تهاون أو تراخٍ. هذه هي قناعتي التي تحفّزني إلى أن أسهم بقلمي، وذلك أضعف الإيمان، في التنبيه إلى كل ما يحول دونها في المجتمع. وأحسب أن تلك هي مهمة الكاتب الذي يتصدّى للشأن الاقتصادي أو الاجتماعي. وأترك الأمر بعد ذلك لمن بيده الأمر. وفي هذا السياق، أذكر أنني كتبت في هذه الزاوية قبل عدّة أسابيع مقالاً أشير فيه بشكل مباشر إلى الخلل الواضح في ما ينشر في الصحف اليومية من إعلانات من أشخاص، وأحياناً مؤسسات، غير مرخّص لهم عن تسديد قروض قائمة ومنح قروض شخصية جديدة، وفي الغالب يتم تسمية بعض البنوك التجارية المحلية. ويتم نشر هذه الإعلانات أيضاً في مواقع أجهزة الصراف الآلي لهذه البنوك التجارية. وكل ذلك مخالف للنظام. وقد تكون هذه العمليات مشبوهة، وتكون وسيلة لغسل الأموال، أو تمويل الأرهاب. ومهما كان الأمر، فهي في المقام الأول غير نظامية. ولهذا تنشر البنوك التجارية، عبر الصحف المحلية، وفي إطار حملة تقودها هذه البنوك لتوعية المواطن وحماية حساباته البنكية وبطاقاته الإئتمانية، نداءات تطالب المواطنين بتجاهل الإعلانات عن تسديد ومنح القروض الشخصية من جهات وأفراد غير نظاميين وغير مرخص لهم. والسؤال المحيّر فعلاً، هو كيف يسمح لهذه الجهات وهؤلاء الأفراد بهذا العمل ذي الصبغة المالية الواضحة بالعمل دون ترخيص والإعلان عن ذلك عبر وسائل الإعلام المحلية، وكيف تسكت الجهات المختصة، والجهات الأمنية بشكل خاص، على هذا الأمر؟ وكيف تستمر الصحف المحلية في نشر هذه الإعلانات، الرخيصة الثمن، وتغفل عن أنها غير نظامية، ويُفترض في هذه الصحف المحلية أن تسهم في حماية المجتمع وضبط النظام. وفي سياق ذي علاقة، لفت نظري إعلان نُشر قبل أيام بجريدة « الجزيرة « بصفحة « الخدمات المبوبة « من جهة غير معروفة، أو لم تصرّح بها، و وضعت في الإعلان رقم هاتف فقط، يقول الإعلان أن هذه الجهة تقوم ب « إعداد وتصديق دراسات جدوى اقتصادية « لتقديمها إلى وزارة المالية و صندوق التنمية الصناعية وبنك التسليف والإدخار والبنك الزراعي والبنوك التجارية المحلية. وإذا كان الأمر يقتصر على إعداد دراسات الجدوى الاقتصادية، فلا مشكلة. أما إذا تجاوز ذلك إلى إجراء التصديق على الدراسات التي لا تعدّها هذه الجهة المعلنة، فهذه مخالفة صريحة للنظام ولأساس عمل المكاتب الاستشارية، ويخالف في الوقت نفسه ميثاق شرف المهنة الذي أعدته لجنة المكاتب الاستشارية الوطنية بمجلس الغرف السعودية. ولكن من المؤسف أن يتم الإعلان عن هذه المخالفة هكذا بكل صراحة ووضوح ودون أي خجل أو حياء أو رادع من ضمير. وهنا ينطبق حقاً القول بأن من سلم العقاب أساء الأدب. ولأن الجهات المعنية المختصة لا تراقب هذه المخالفات وهذه التجاوزات، فإنني أشعر بأن القارئ لهذا المقال يقول لي بالفم المليان.... ويحك لماذا تكتب عن مثل هذه الأمور.. ألا تدري أنه.... ما عندك أحد!...
رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض