خلال تصفحي لمجموعة من الكتب وكتالوجات المعارض لعدد من الفنانين المهاجرين ذوي الأصول العربية أو الشرق أوسطية، أثارتني بعض الصور أو المواضيع، والتي نفذها في الغالب فنانون من سوريا أو إيران أو العراق أو غيرها من الدول، معظمهم مهاجرون إما بسبب حرب أو بحث عن معيشة أفضل، أو ربما ركضا خلف (الحرية) المزعومة. وحديثي هنا ليس عن تطلعاتهم السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، إنما عن منتجهم الفني الذي تزايد الاهتمام حوله في أوربا وأمريكا، ربما بسبب رغبة الغرب في التعرف أكثر على المنطقة، أو لأسباب اقتصادية مرتبطة بأهداف استثمارية في الشرق الأوسط والصين تحديداً، وقد تكون هناك أسباب أخرى أجهلها. وعودة إلى تلك الأعمال التي يغلب على معظمها الفكر المفاهيمي مع استدلالات شكلية بطبيعة الحال لعناصر دينية أو ثقافية محلية، يتم عرضها بأسلوب فيه نوع من النقد للذات بصورة تتفاوت بين النقد اللطيف إلى جلد الذات أو تشويهها -إذا صح لي التعبير- بصورة بشعة (من وجهة نظري على الأقل) مما يساعد على تسليط الضوء أو الرؤية بشكل أكبر على المنطقة، بل بذلك تزيد حدة النظرة الغربية الناقدة والناقمة عليها.
أيضاً يمكن القول أن بعض من هؤلاء الفنانين ذوي الأصول الشرق أوسطية (بعضهم مهاجرون من الجيل الثاني) أرادوا الاستفادة من هذا التوجه الغربي نحو الشرق بغرض الكسب المادي أو الشهرة، مستغلين الخلفية الثقافية التي يمتلكونها، ومن ثم يقومون بتصويرها بأسلوب مثير للجدل، يستغلون بذلك تعاطف المتلقي (مع هذا الكائن العربي) من خلال عرض أو طرح مواضيع (مثيرة) دينياً أو سياسياً أو حتى شكلياً، بصورة تهز المشاهد العربي الذي يعيش هذه الثقافة ولا ينتابه الشعور الذي أحس به المتلقي الغربي! فالحال هنا أشبه بالوضع الذي نعيشه صيف كل عام، فحين تصل درجة الحرارة إلى الخمسين درجة مئوية في الرياض يفجع الغربي من سماع هذا الرقم، بينما لا يستطيع هو أو نحن (حين نسافر لقضاء الصيف في الخارج) تحمل درجة حرارة عواصم أوربا التي لا تزيد عن 38 درجة مئوية!.
أيضاً يمكن ملاحظة الفارق الذي نلمسه بين أعمال الفنان العربي المقيم وأعمال الفنان العربي المهاجر، فالأول في الغالب أصدق تعبيراً بطبيعة الحال ولن يكون ناقماً بقدر كونه ناقداً لمجتمعه الذي ينتمي إليه ويلامس مشاكله بشكل يومي، فأعماله الفنية المعاصرة تعكس الرغبة في الإصلاح، مستخدماً أدواته الفكرية والفنية كأدوات بناء لا معاول هدم مثلما فعل الآخر.