نشرت جريدة «اليوم» في صفحاتها الاقتصادية في عددها الصادر يوم الخميس 10 شعبان 1431هـ الجاري أرقاماً ومؤشرات خطيرة عن الاقتصاد السعودي، نقلاً عن دراسة حديثة، إذ كشفت هذه الدراسة عن تدنِّي مستوى إنتاجية عمالة القطاع الخاص في الاقتصاد السعودي مقارنة بدول أخرى، حيث سجَّلت في المملكة العربية السعودية 0.8% فيما سجَّلت في الصين 10.5%.
وأشارت الدراسة التي صدرت مؤخراً بعنوان «قطاع الأعمال السعودي ومواجهة التحديات الاقتصادية»، ولم تكشف الجريدة عن الجهة التي أعدَّت الدراسة وأصدرتها، إلى أن نسبة الأمية في عمالة القطاع الخاص تقدّر بنحو 67%، مشيرة إلى أن القوة العاملة في القطاع الخاص تتوزع بنسبة 87% عمالة وافدة و13% عمالة وطنية.
وأعرف من خلال تراجع فرص العمل في القطاع العام، أن القطاع الخاص هو المشغِّل الرئيسي للعمالة الوطنية في الاقتصاد السعودي، أو هكذا يُفترض أن يكون، إذ أنه، وفقاً لبيانات عام 2007 م، كما تقول الدراسة، أن القطاع الخاص يستحوذ على 71% من إجمالي القوة العاملة في المملكة العربية السعودية، وذلك بنحو 5.8 مليون عامل، إذ كانت هذه المعلومات دقيقة، إذ أن الأرقام تتفاوت من دراسة لأخرى، ومن تقرير لآخر، وهذه «متلازمة» لحالة البيانات والمعلومات المتوافرة عن فعاليات الاقتصاد السعودي يعاني منها الباحث والأكاديمي الجدّي الذي يحاول أن يحلّل هذه البيانات والمعلومات ليصل إلى نتائج موضوعية تخدم البحث والعمل الأكاديمي لتكون مخرجاته ذات قيمة وفائدة لصاحب القرار، والمجتمع بصفة عامة.
المعلومات التي تضمّنتها الدراسة التي أشارت إليها جريدة «اليوم» مفصّلة وتتناول جوانب كثيرة عن العمالة في القطاع الخاص. وأعتب على الجريدة أنها لم توضّح، كما ذكرت، الجهة التي أعدّت الدراسة وأصدرتها. وهذا أمر مهم جداً، خاصة عند الباحثين والأكاديميين، لأن معرفة الجهة قد يكون أحد عناصر الحكم على الدراسة ذاتها، بالإضافة إلى أنها ممارسة مهنية متعارف عليها. ولست هنا بصدد الحكم على هذه الدراسة أو تقييمها، بل على العكس، أعتقد أن ما نقلته جريدة «اليوم» عنها مفيد جداً، وأزعم أن ما تضمنته الدراسة من بيانات ومعلومات قريب جداً من الواقع. وقد أشارت الدراسة، كما جاء في الجريدة، إلى أن منشآت التشييد والبناء تضم أكبر نسبة من القوى العاملة في القطاع الخاص، إذ بلغ عددهم في عام 2007م نحو 2.3 مليون عامل يمثلون 39% من جملة عمالة القطاع الخاص. وهذه أرقام عام 2007م، وأعتقد أن طفرة القطاع العقاري الحالية، قد تكون أثّرت على عدد العمالة في هذا القطاع، وأن الأرقام قد تكون أعلى بكثير الآن. وهنا أود تسجيل ملاحظة أن معظم الدراسات تشير إلى سنوات بعيدة. نحن الآن في عام 2010 م وأرقام عام 2007 م قد لا تكون مفيدة الآن، خاصة وأن معظم الشؤون الاقتصادية في العالم كله، وليس في الاقتصاد السعودي، قد تأثرت بتبعات الأزمة المالية العالمية الراهنة، والتي ما زالت تبعاتها تتراكم على اقتصادات العالم، والمجتمعات كافة.
ما أود الخلوص إليه في هذا المقال من سلسلة «شذرات اقتصادية» هو أن ما جاء في هذه الدراسة من معلومات يعكس مؤشرات خطيرة على أداء القطاع الخاص، الذي نعدُّه حصان التنمية الأسود، ونعوِّل عليه كثيراً، فنجد أن مستوى إنتاجية العمالة فيه متدنية جداً. وتدنّي إنتاجية العمالة يعني، بالضرورة، تدنّي إنتاجية رأس المال، وهذه مؤشرات خطيرة يجب أن نقف أمامها وقفة مراجعة صادقة لتصحيح هذا الخلل الذي ينعكس بالضرورة على إنتاجية الاقتصاد السعودي برمته. وكنت أتمنى أن يكون خبر كهذا مادة رئيسية للصفحة الأولى، وليس في جريدة «اليوم»، بل في كل الصحف السعودية، لأن هذا الأمر يمسّ الاقتصاد، والاقتصاد هو المجتمع برمّته، وهو مستقبل هذه البلاد ومصير العباد، وذلك بدلاً من الانشغال بقضايا وأمور تافهة لا تُفيد البلاد والعباد، بل تخلق الفرقة بين الناس، وتثير النفوس، وتترك انطباعاً سيئاً عن المجتمع السعودي، مثل الصراع القائم حول الفتاوى الأخيرة المتعلِّقة برياضة النساء وقيادتهن للسيارة أو سماع الأغاني أو التصفيق أو الاختلاط، حتى وكأنك تشعر بأننا أجهل الناس بديننا وأننا إلى الآن لا نعرف أحكام الشرع في أمور حياتنا.
نحن الآن في مرحلة تنموية نوعية تتطلّب منا جميعاً أن نتسامى باهتماماتنا ونوجّه كل طاقاتنا من أجل الاستثمار الأفضل لمواردنا حتى نضع الاقتصاد السعودي في مساره الصحيح في زمن تتسارع فيه وتيرة التنمية في عالم متجدد واقتصاد جديد.
رئيس «دار الدراسات الاقتصادية» - الرياض