إن في هذه الدنيا أناس سمعتهم الطيبة وتعاملهم الحسن ودماثة خلقهم يجعلهم الله عز وجل محبوبين من خلقه يذكرونهم بالخير دائماً، هذه جزء من الصفات الحميدة التي كانت مع الفقيد أحمد الحجايا يرحمه الله القنصل الأردني في جدة، فقد كان رجلاً من أفضل الرجال ونبيلاً من أعز النبلاء جمعت فيه صفات الشهامة والكبرياء والنخوة وتواضع الكبار.
فكنت ما أن تدخل مكتبه حتى يبادرك بابتسامته الجميلة وبسؤالك عن أحوالك سواء يعرفك أو لا يعرفك ومن ثم يستمع إليك بكل سرور وأمعان بالرغم من مشاغله الكثيرة ومكتبه مغطى بالأوراق والجوازات إلا أنه يشعر محدثه بأنه لا شيء لديه وأنه متفرغ تماماً لخدمته وما أن ينتهي من تلبية طلبك تجده يصر عليك بكل شدة بتناول وجبة الغذاء معه ويوصلك إلى بوابة القنصلية سائلاً العودة إليه في أي وقت تشاء.
معرفتي بالفقيد أحمد الحجايا -رحمه الله- منذ أن كان قنصلاً في السفارة الأردنية بالرياض إلى أن انتقل إلى محطته الأخيرة في جدة، فقد كان رحمه الله محباً للأردن والأردنيين معتزاً بالأردني أشد اعتزاز، وكان يقول إن الأردني به شهامة وعزة الرجل البدوي العربي الأصيل، وكان متعاوناً رحمه الله مع جميع أفراد الجالية الأردنية في السعودية ومع جميع المراجعين السعوديين للقنصلية وغيرهم.. فحدثني ذات مرة أنه أحب المملكة العربية السعودية لما يشعر بها من قرب من العادات العشائرية الأردنية من كرم ورجولة وشهامة، وأنه أحب أيضاً المكوث في جدة لقربها من بيت الله الحرام في مكة المكرمة وقربها من المدينة المنورة فكان يرحمه الله دائم الزيارة إلى بيت الله الحرام في مكة وإلى المسجد النبوي الطاهر في المدينة المنورة، وكان يقول جزى الله الحكومة السعودية كل الخير على الاعتناء المتناهي بالحرمين الشريفين، وعندما ألم به المرض وخف وزنه ما كنت ترى منه تعباً وإرهاقاً بل تشعر به وكأنه في أوج صحته وعافيته، وكان دائم الحمد والشكر لله على ما هو فيه سائلاً ربه حسن الختام، إلى أن لبى نداء ربه خلال إجازته في العاصمة الأردنية بعد أن أنهكه المرض ودخل في غيبوبة.. جعله الله في موازين حسناته.
فكان رحمه الله يعرفني إلى الناس باسمي بل باسم والدي فكان يقول (هذا ابن إبراهيم الذهبي.. رحمه الله) الإعلامي الشهير الذي كان صوته كالرعد في الإذاعة الأردنية بقوله آنذاك (هنا... عمان).. وكان يقول الحجايا رحمه الله: (كنت أفضل الاستماع للنشرة الإخبارية في الإذاعة السعودية أيام حرب الخليج من والدك إبراهيم الذهبي -رحمه الله- فكنا نشعر بأننا على الجبهة السعودية وليس في منازلنا وكان صوته كالمدفع في البرنامج الإذاعي الحرس الوطني فكنت أشعر كأنني جندي في الحرس من صوته الجهوري والحماسي.
أحمد الحجايا رمزٌ من رموز الدبلوماسية الأردنية الراقية والعريقة التي كانت تنبثق من أصالة نفسه وعراقته النبيلة فقد كان خير من مثل الأردن والأردنيين في العمل الدبلوماسي في السعودية... فقد اصطف عدد من أحبائه في منزلي بجدة وصلينا عليه صلاة الغائب لما يكن في قلوبنا له من محبة واحترام.. سائلين الله الرحمة والمغفرة له من كل قلوبنا.. إلى جنات النعيم بإذن الله يا أبا عبدالله، وتعازينا لأهله وذويه ولعشرة الحجايا الكرام الصبر والسلوان.. وأن يرحمنا أجمعين ويختم بالصالحات أعمالنا، ?إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ?.. ولا يبقى من الإنسان إلا ذكراه وعمله الصالح.
فادي إبراهيم الذهبي- جدة