حسبت أن الزميل ماجد عسيري، مدير تحرير جريدة المدينة في المنطقة الشرقية، قد أفسد علي جزءاً من فكرة مقال حول موضوع الوزراء بإشراكي، واستنطاقي في تحقيقه الصحفي؛ إلا أن زميلنا الأستاذ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ قد قضى على الفكرة بأكملها في مقالته « ضرورة تغيير مدير الخطوط».
يجزم الزميل محمد آل الشيخ بنجاعة قرار تحديد فترة الوزراء، وشاغلي المرتبة الممتازة بأربع سنوات، ويعتقد من الناحية (النظرية) «أنَّ شاغلي مثل هذه المناصب سيكونون معرَّضين للتقييم بشكل دوري؛ فمتى ما كانت إنتاجيتهم تواكب المطلوب منهم كأصحاب مناصب عليا تم التمديد لهم، وعندما تنخفض هذه الإنتاجية معنى ذلك أنَّ الاستمرار مسألة - كما يقولون - فيها نظر». من هذه الفكرة ننطلق للتفكر في من تكون له الأهمية القصوى «الوزارة أم الوزير»؛ فالوزارة باقية بغض النظر عن اسم الوزير، حضوره أو غيابه، إلا أن الكفاءة المهنية ربما إرتبطت في بعض جوانبها بمواهب الوزير نفسه، وهو أمر لا نختلف عليه؛ ومن هنا تكون الإستراتيجية العامة للوزارة أهم وأبقى من الوزير نفسه، في الوقت الذي تُمثل فيه خطة الوزير للوصول إلى أهداف الإستراتيجية العامة خلال الأربع سنوات غاية في الأهمية، وهي المحك الحقيقي للنجاح؛ ولكن من يضع الإستراتيجية؟ الوزير نفسه أم جهة أخرى أكثر شمولية، اطلاعاً، وحرفية!. في الدول المتقدمة توضع الإستراتيجيات العامة لعقود، ثم تُجزأ إلى أجزاء يرتبط تنفيذها بعدد محدد من السنوات، في الغالب تتوافق مع فترة بقاء الحكومة، ويخرج من تلك الإستراتيجيات الأمور الطارئة والمتغيرات التي تحتاج إلى خطط وبرامج مستحدثة، إضافة إلى برنامج الحكومة للأربع سنوات القادمة المتوافق مع الإستراتيجية، وهو ما يميز الحكومات عن بعضها البعض. وبشكل أدق هناك نقطة محددة يستوجب الوصول إليها، وإن إختلف الأداء وخطط التنفيذ؛ فتتعاقب الحكومات (الوزراء) لتنفيذ هدف الوصول ضمن الرؤية الشاملة المُقرة سلفاً.
الإستراتيجية تشبه نوتة المقطوعة الموسيقية، تحكم عمل المجموعة، إلا أن غياب المايسترو لا يعني عدم قدرة العازفين على الأداء، ولكن ربما فشلوا في إجراء بعض التحسينات الفنية، والتوزيعات الموسيقية التي تزيد من عذوبة اللحن. فالمايسترو يقتل نفسه بحركات فنية مسرحية غاية في الروعة، إلا أن الغريب أن معظم العازفين، إن لم يكن جميعهم، لا ينظرون إلى حركة يديه بل إلى النوتة الموسيقية المعلقة أمامهم.
الوزير هو ذلك المايسترو الذي يعتقد، نعتقد أنه المسؤول عن كل شيء، والقادر عليه، إلا أن الحقيقة تُثبت عكس ذلك؛ ولعلي لا أبالغ إذا ما قلت إن الوزارة يمكن أن تعمل لسنوات، وتنجح في الإنجاز دون وجود الوزير نفسه؛ لذا أعتقد أننا نقسو على الوزراء بمطالبتهم إنجاز ما لا يمكن عمله لأسباب خارجه عن سيطرتهم، أو قدرتهم حتى في محيط عملهم؛ فكم من الناجحين فشلوا لأسباب لا علاقة لهم بها، وكم من الفاشلين نجحوا بجهود الآخرين.
في الغرب، نجد الوضوح والشفافية وحدود المسؤوليات والصلاحيات، وهو ما لا يتوافر في الدول العربية بشكل عام، فالوزير لديهم (رئيس حكومة وزارته) ما يقطع الطريق أمام التداخلات في العمل والصلاحيات وفق الأنظمة والقوانين. والوزير محكوم بأنظمة وقوانين لا يمكن تجاوزها، فإن فعل، فهو معرض للمساءلة لا من رئيس الحكومة بل من أدنى مواطن متضرر من أدائه في الوزارة. بيئة العمل، وثقافة المجتمع تضع قيودا وقوانين عرفية تحكم الأداء الخاص والعام، وتقود نحو القوانين الرسمية في حال حدوث الخلل، وهو مالا يُطبق في أي من الدول العربية.
ما يحدث في الخطوط السعودية، يحدث في مؤسسات حكومية ووزارات أخرى؛ فتغيير وزير الصناعة والتجارة لم يُحقق تغييرا يُذكر على أرض الواقع، وما حدث من تغييرات في وزارة المياه والكهرباء، الاقتصاد والتخطيط، برغم قدمه، لم يأت بجديد، ما يجعلنا أكثر حرصا على وضع الإستراتيجية الشاملة لوزارات الدولة المُحددة بالأهداف وفترة الإنجاز.
أما قياس الآداء فهو من أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها الحكم على أداء الوزير، والوزارة أيضاً. أعتقد أن الوزراء مطالبون في بداية فترة توزيرهم بتقديم خطة عمل لأربع سنوات قادمة، ضمن الإستراتيجية الشاملة، لإنجاز الأهداف الموضوعة بدقة ووفق مدة زمنية محددة، وأن تكون هناك مراجعة سنوية لأداء الوزارة وإنجازاتها بشفافية مطلقة تضمن الإنتهاء من خطة العمل في وقتها ووفق ما قُدم في بداية التوزير. هُناك مؤشر لقياس الأداء متاح لمن لا يمتلك مؤشره الخاص، وهو مؤشر القياس المثلي في أداء وزراء، ومؤسسات الدول الأخرى المتطابقة معنا في الأنظمة والقوانين والثروات، ومطابقته بما حققوه خلال الأربع، أو الثماني سنوات الماضية!. القياس المثلي يمكن أن يُطبق ايضا على تكلفة المشروعات، نوعيتها، وفترة إنجازها أيضا، عندها سنكتشف أننا بعيدون كل البعد عن ما يُطلق عليه (قياس الأ داء)؛ وربط الإنتاجية والكفاءة بالوظيفة أو استمراريتها.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM