مواطن شريف ضرب مثالا رائعا في الأمانة والنزاهة والمواطنة الحقيقية.. إنه مدير إدارة الخدمات المساندة بمستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام الأستاذ عبد الله بن إبراهيم الفعيم الذي أبلغ عن تعرضه لرشوة من قبل إحدى شركات الادوية بمبلغ خمسمائة ألف ريال! مبلغ كبير جدا قد لا يصمد أمامه الكثير من أقوياء النفوس: فما بالك بضعفائها!
فالمال، كما قيل هو أحد ثلاثة أشياء يختبر بها الرجال، وإذا كان هذا المبلغ يقدم كرشوة فما هي مكاسب شركات الدواء التي تحصل عليها من جيوب المواطنين! الخبر نشر في كثير من الصحف مرفق معه صورة لمعالي وزير الصحة وهو يسلم درعا تذكاريا! لكن الخبر سلط الأضواء حتى في العنوان على ما قامت به الوزارة من تكريم وتسليم الدرع أكثر مما قام به المواطن الشريف!
فالأستاذ عبد الله هو الذي صنع الخبر وهو المادة الأولى له وليس الوزارة! فلماذا يتحول الخبر من الاحتفاء بأمانة المواطن إلى تفخيم و(بروزة) الدور العادي والمتوقع من الوزارة وأي وزارة أخرى يعلن احد موظفيها عن تعرضه للرشوة! ذلك الداء الخطير الذي من الواضح أنه يستفحل وينتشر.
وهو على عدة أشكال فأحيانا يكون هدايا أو تسهيلات أو عمولات أو عيني عينك. لكن الرشوة تبقى ملعونة؛ هي ومن تورط بها.. هكذا جاء الحديث النبوي صريحا (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما) لما لها من ضرر كبير على إحقاق الحق والعدل والمساواة في المجتمع!
ما فعله الأستاذ الفعيم كان من المفترض ألا يمر عابرا، وتكريم وزارة الصحة بدرع للمواطن النموذجي لا تكفي ! فاذا رغبنا أن نخفف من انتشار هذا الداء لابد أن تكون هناك مكافآت مالية مجزية تمثل نسبة كبيرة من المال الذي كان سيقدم كرشوة بعد مصادرته! بالإضافة إلى ترقيات مناسبة، فمن المهم أن يتم تكريم الشرفاء والأمناء بمناصب قيادية في الوزارة على الأقل سيحافظون بأمانتهم على مصلحة المواطن ويستطيعون أن يكونوا سدا منيعا أمام مثل هذه المحاولات، فهذه الحادثه ليست الأولى التي يتم الاعلان عنها؛ مما يعني ان بعض شركات الأدوية تسوق أدوية مضرة أو ممنوعة عالميا أو لم توافق عليها الجهة المختصة بالوزارة أو تريد ترسية مناقصة عليها دون منافسيها، ولن تتوانى في الوصول إلى ما تريد بأي أسلوب ممكن!
في تحقيق صحفي نشر مؤخراً في إحدى الصحف خلص إلى أن شركات الأدوية تعودت على تقديم الهدايا والمنح للأطباء والصيادلة الذين يروجون لأدويتها! وترويج الأدوية وتسويقها على حساب صحة وجيب المواطن أمر متعارف عليه عند بعض الشركات والوزارة، وهيئة الدواء تعرف ذلك، كما ذكر التحقيق ولها محاولات في الوقوف أمام مثل تلك التجاوزات اللاأخلاقية! والمنتظر أن تتخذ الوزارة إجراءات وقائية ضد الرشوة وضد التسويق غير الأخلاقي للأدوية..
وشكرا للأستاذ الفعيم الذي ضرب مثالا رائعا في أمانته وإخلاصه وتكريمه من قبل الوزارة بما يستحق هو تكريم لكل الموظفين الذين يرفضون أن يدخلوا دائرة اللعن ودائرة المقت التي حاولت أن تدخله فيها شركة الأدوية التي كان من الأولى أن يذكر اسمها ويشهر بها عقابا لها وردعا لأمثالها!
alhoshanei@hotmail.com