التقيته بداية في «استراحة الخميس»، وعرفت منذ الوهلة الأولى أنه ليس «رجل جاء وذهب»، بل هو رجل جاء ليبقى، رجل جاء لهذه الدنيا لتبقى سيرته «حياة في الإدارة».
عرفته أستاذاً ومحاضراً، وزيراً وسفيراً، كان ومازال يقف و»التنمية وجهاً لوجه»، يبذل جهده وماله ووقته كي يقدم الحل عن «التنمية والأسئلة الكبرى» على طبق من ذهب للأجيال القادمة.
كان محباً للشعر ذواقاً له، وهناك «في خيمة شاعر» التقيته للمرة الثانية، لتبدأ الأمسية ب»أشعار من جزائر اللؤلؤ» وتنتهي ب»قوافي الجزيرة».
كان واسع الثقافة شديد الاطلاع على «إلمام بغزل الفقهاء والأعلام»، أحدث «ثورة في السيرة النبوية» بتساؤلاته المشروعة وآرائه القائمة على فهمه للنصوص، فيتم تسليط «أضواء على الأنباء» ويشن أبناء القبيلة عليه حرباً لا هوادة فيها.
دعوني «عن قبيلتي أحدثكم»، اتهموه في دينه ونعتوه بالشاعر الضال مستشهدين بسورة الشعراء، مما جعلني أتساءل: «من هم الشعراء الذين يتبعهم الغاوون؟»، و«حتى لا تكون فتنة»، كتب «رسالة المتنبي الأخيرة إلى سيف الدولة» ليصبح ك «الأشج» مجروح الكرامة ومردود الشهادة.
في ذلك الحين بدأ «الخليج يتحدث شعراً ونثراً» عن مشاكل «العولمة والهوية الوطنية» و«الغزو الثقافي» فلم أجد بداً من إكمال تعليمي بين «أمريكا والسعودية» ومصر ولندن، ف «في رأيي المتواضع» أن داوها بالتي كانت هي الداء.
ذهبت إلى «بيت» غازي طالبا مشورته، فوجدته قد سبقني إلى هناك، لحقت به في بلاد الغربة، استقبلني بابتسامته المعهودة ولطفه الأخوي، وتلا عليّ شيئاً من «أبيات القصيد» قبل أن يأخذني إلى «شقة الحرية» حيث محل إقامتنا.
قدمني بداية لرفقاء السكن، فأصبحت الشقة تحوينا نحن الأربعة، أنا وغازي وناجي و«سحيم».
في محطات الغربة حدثت «مصاحات ومغالطات وقضايا أخرى»، وتعرفنا فيها على «سبعة» رجال، كان منهم الفيلسوف والشاعر، السياسي والنفساني، رجل الأعمال والإعلامي، تجمعهم «معركة بلا راية» وادعاء كاذب بأن كل ما يقومون به هو خدمة للقضية و«للشهداء»
أنهينا سوياً تعليمنا، وجاءنا «صوت من الخليج» يحثنا على «العودة إلى الأماكن القديمة»، لكني اخترت «العودة سائحاً إلى كاليفورنيا»، وهناك قرر غازي أن يجمعني بفريد زمانه، ووحيد عصره «أبوشلاخ البرمائي»، الذي ما أن رآنا حتى شرع في الحديث «عن هذا وذاك»
كان لأبي شلاخ مئات المغامرات وآلاف القصص العجيبة الغريبة، فكانت «تجربة اليونسكو ودروس الفشل»، وكانت مغامرته الأشهر والأكثر إثارة مع «الجنية» المغربية.
عدنا إلى لندن ليستلم «سعادة السفير» مهامه الرسمية بعد أن أوصى به أبوشلاخ، وكان لابد في البداية من «قراءة في وجه لندن» قبل أن نغادر إلى باريس لحضور مؤتمر «دنسكو» كأولى المهام الرسمية.
لم يمر وقت طويل على مكوثنا في لندن، حتى جاءتنا دعوة لحضور حفل راقص على شرف «الأسطورة ديانا»، وهناك كان منعطف آخر لقصتي.
لمحت غازي يقف «مع ناجي ومعها»، اتجهت ناحيتهم فألقت إليّ بنظرة وكأنها تعرفني، فرددت «يا فدى ناظريك»، أخذتها جانبا لأسمعها أول «أبيات غزل» ألهمتني إياها وأقطف لها «مئة ورقة ياسمين» من شرفة القصر الملكي.
هناك في «حديقة الغروب» حيث تلتقي أرواحنا، نروي عطشنا ب»قطرات من ظمأ»، أهديها «عقد من الحجارة» و»مئة ورقة ورد» لتصنع منها «ورود على ضفائر سناء»
قضيت السنوات اللاحقة أعيش «حكاية حب» مع «سلمى» وأعمل مع غازي الذي لا يكف عن طلب «المزيد من رأيي المتواضع» في شتى المجالات والقضايا التي تعرض له، ولم أكن أبخل عليه ب»أقوالي غير المأثورة».
ثم حدث ما لم يكن بالحسبان وجاءت «أزمة الخليج، محاولة للفهم»، وكنا بحكم موقعنا «في عين العاصفة»، فكانت العودة إلى أرض الوطن و»باي باي لندن» ووداعا سلمى.
أنزل في أرض المطار، عائداً إلى مدينتي التي غبت عنها لسنوات وسنوات، أتعجب مما حولي، تصيبني الدهشة، أقبل الأرض وأخاطبها قائلاً: «أنت الرياض» وها قد عدت إليك، هنا ولدت وهنا سأموت.
أصابتني «الحمى» لفراق سلمى، واختفى «اللون عن الأوراد» لأقضي الأيام اللاحقة في «العصفورية» أكتب «أبيات القصيد» وأقرأ «قصائد أعجبتني» لعلي أستعيد عافيتي أو أموت عشقا.
كان غازي يرقبني من بعيد ليكتب «سيرة شعرية»، ويرثيني «مرثية فارس سابق» متحدثا عن عاشقين «هما» أنا و»سلمى».
أواب عادل الشويخ
awab82@hotmail.com