عرفته أستاذاً وسياسياً وسفيراً ووزيراً وشاعراً وروائياً له في كل ذلك مساهمات جلية، فهو أستاذ تتلمذ على يده عدد غير يسير من الطلبة الذين كانون يدرسون العلوم السياسية في كلية التجارة بجامعة الرياض التي أصبحت فيما بعد جامعة الملك سعود، وفي الوقت الذي كان يقوم فيه بالتدريس كانت تناط به مهمات أخرى ساهم فيها بقدر كبير، وقد درس السياسة وتعلمها ومارسها فكانت مهامه عن اليمن مطابقة لدراساته. وبعد الطفرة المالية الأولى كانت التنمية تسبق الخدمات بمراحل فتولى الدكتور غازي رحمه الله وزارة الصناعة والكهرباء، آنذاك، وكان عليه في ذلك الوقت أن يشارك في تنفيذ الخطط الحكومية الرامية للإسراع في حل تلك الاختناقات. وكان سباقاً تنافسياً كبيراً بين التنمية والخدمات. وكانت الكهرباء إحدى عناصر الخدمات التي لابد لها أن تكون مرادفة أو سابقة للتنمية، وكان الانقطاع يحدث بين الفينة والأخرى لا سيما في فصل الصيف. وكنت أذكر أنه لم يعد بحلها سريعاً لكنه أشار إلى أن الأمر يتطلب ثلاث سنوات وعلى المواطن والمقيم أن يعرف الحقيقة فمن غير الممكن إحضار عصا سحرية لحل مشكلة ليست قائمة فحسب بل تسابق تسارعاً في التنمية ليس من اليسير اللحاق به.
|
وكان صراعاً محموماً تحقق في نهاية الأمر بتوفير الكهرباء للمواطنين وزال ذلك الانقطاع المتكرر الذي اعتاد عليه سكان عدد من مدن المملكة.
|
وفي جانب آخر كانت النواة الصناعية العملاقة قد برزت إلى التنفيذ بعد أن كانت الحكومة قد رأت أن الخيار الصناعي لا سيما البتروكيميائي سيعمل على إيجاد قيمة مضافة واستفادة من الغاز المصاحب الذي كان يتم حرقه، وتوفير وظائف لعدد لا بأس به من المواطنين وبتوفير بيئة عملية لاكتساب الخبرة من قبل المهندسين السعوديين الذين توفروا في المملكة بأعداد كبيرة، وتحقق الحلم فكانت الهيئة العامة للجبيل وينبع وشركة سابك العملاقة التي استمرت في توسعها حتى عصرنا الحاضر.
|
وكان الدكتور غازي القصيبي رحمه الله أحد المشاركين بفعالية في بناء ذلك الصرح الكبير ولنا أن نتخيل المردود المادي والاجتماعي والحضاري لمشروع كهذا.
|
ووزارة الصحة التي قادها في فترة من فترات مساهماته العديدة كانت إحدى المشكلات الكبيرة، فالمواطن والمقيم يحتاج إلى الكثير من الخدمات الطبية التي انبرى لها الدكتور غازي رحمه الله في ذلك الوقت وحقق الكثير في فترة وجيزة، ومن عاش في ذلك الوقت علم تلك الزيارات المفاجئة التي كان يقوم بها رحمه الله وتلك القرارات القوية التي رضى عنها الكثير وربما توقف عندها القليل، غير أن ما يهم المواطن حصوله على الخدمة المطلوبة، ولا شك أن تغيراً قد حدث في تلك الفترة مقارنة بما قبلها.
|
وهو شاعر مميز في أغراض الشعر المختلفة ولن يغيب عن الذاكرة تلك المقالات والأشعار التي كتبها فترة غزو الكويت وتفانيه في الذود عن المملكة بالكلمة الصادقة التي كانت من أبرز ما قيل في تلك المناسبة.
|
وهو روائي وكاتب مميز، ومن قرأ كتابه (تجربتي في الإدارة) عرف عنه الكثير، واطلع على فكره ونمطه الإداري الذي اتبعه طيلة حياته المديدة رحمه الله رحمة واسعة.
|
ولقد عرفته أستاذاً عن قرب كما أتيح لي اللقاء به في عدة مناسبات رسمية وغير رسمية. ولم يغب عن ذاكرتي ذلك النقاش الجميل الذي دار في منزلي بالمغرب عند آخر زيارة له، حيث كان نقاشاً فلسفياً أدبياً مفتوحاً شارك فيه عدد من الزملاء من أعضاء السفارة، وتعلم الحضور منه الشيء الكثير.
|
ولعلي أختم هذه المقالة بقصيدته السبعينية حيث قال:
|
ماذا تريدُ من السبعينَ.. يا رجلُ؟! |
لا أنتَ أنتَ.. ولا أيامك الأُولُ |
جاءتك حاسرةَ الأنيابِ.. كالحَةً |
كأنّما هي وجهٌ سَلَّه الأجلُ |
أوّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً |
إذا التقينا ولم يعصفْ بيَ الجدلُ |
قد كنتُ أحسبُ أنَّ الدربَ منقطعٌ |
وأنَّني قبلَ لقيانا سأرتحلُ |
أوّاه! سيدتي السبعونَ! معذرةً |
بأيِّ شيءٍ من الأشياءِ نحتفل؟! |
أبالشبابِ الذي شابتَ حدائقُهُ؟ |
أم بالأماني التي باليأسِ تشتعلُ؟ |
أم بالحياةِ التي ولَّتْ نضارتُها؟ |
أم بالعزيمةِ أصمت قلبَها العِلَلُ؟ |
أم بالرفاقِ الأحباءِ الأُلى ذهبوا |
وخلَّفوني لعيشٍ أُنسُه مَلَلُ؟ |
تباركَ اللهُ! قد شاءتْ إرادتُه |
ليَ البقاءَ.. فهذا العبدُ ممتثلُ! |
واللهُ يعلمُ ما يلقى.. وفي يدِه |
أودعتُ نفسي.. وفيه وحدَه الأملُ |
|