في اليوم الخامس من شهر القرآن وفي مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض يشاء الله أن ينتقل إلى رحمة الله أحد أبناء الوطن، بل أحد رجالاته الأفذاذ، إنه معالي الدكتور غازي بن عبدالرحمن القصبي وزير العمل الذي نعاه الديوان الملكي في بيان أصدره يوم الأحد الخامس من شهر الخير والبركة -رمضان الكريم- وبذلك فقدت المملكة أحد رجالاتها الأفذاذ الذين يشار إليهم بالبنان.
والفقيد عايش ثلاثة من قادة الوطن وكان خلال تلك الفترات التي قضاها متنقلاً من وزارة إلى وزارة فضرب أروع الأمثلة للمسؤول الناجح المخلص -كذلك نحسبه-؛ كما كان سفيراً للوطن في المملكة المتحدة وأسكتلندا، وكذلك في مملكة البحرين وكان نعم السفير الذي مثل الوطن خير تمثيل.
ولا ننسى ما كان يتمتع به الوزير القصيبي من تواضع جم وعطاء متجدد، حيث كان يبذل قصارى جهده وهو يتولى وزارة تلو وزارة، فكان بحق رجل دولة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
والكل يشهد له بذلك، ففي زيارة له متفقداً المرافق الصحية في محافظة الرس عندما كان وزيراً للصحة خاطبه أحد المواطنين من ذوي المكانة والجاه قائلاً: معالي الوزير أشكو إليك مدير المستشفى وذكر اسمه فقال الوزير -رحمه الله- ماذا حصل منه فقال الرجل لقد اتصلت به وطلبت منه أن يرسل الطبيب الفلاني إلى منزلي ليعالجني فرفض وطلب مني أن أحضر أنا إلى المستشفى.
هل هذا يجوز يا معالي الوزير، فرد القصيبي مبتسماً لو فعل ذلك لاعفيته من منصبه لأن المريض هو الذي يأتي للطبيب وليس للطبيب الحق في ترك عيادته ومرضاه والانتقال إلى مريض وحد.. فالتزم الرجل الصمت وعرف الجواب. هكذا يكون المسؤول الذي يقدر المسؤولية ويعرف كيف يعمل.. ولا ينسى المواطنون تلك الجولات الفجائية التي يقوم بها على المصحات عند تسلمه لوزارة الصحة، وتلك القرارات التي كان يصدرها وكلها تصبُ في مصلحة العمل والتأكيد على عمل أفضل وأداء جيد، خاصة وأن ذلك يتعلق بصحة الإنسان الذي هو مدار واهتمام القيادة في هذا الوطن.
ومعاليه -رحمه الله- ذو الوزارات، حيث أسندت له القيادة الرشيدة عدداً من الوزارات فأبدع وأجاد فكانت آخرها وزارة العمل، حيث كان يشغل باله إلحاق الشباب بالأعمال، والقضاء على البطالة ما أمكن ذلك، وكان من حرصه رحمه الله أنه كان ينزل إلى مستوى نادل في أحد المطاعم؛ وله موقفان في هذا، ليقول للشباب إن العمل ليس عيباً حتى ولو كان في مطعم يقدم الواجبات؛ المهم كسب الرزق الحلال من عمل اليد وذاك توجيه نبوي كريم، حيث حثّ على الكسب والعمل لتأمين لقمة العيش: (احتطب وبع وهذا خير لك من المساءلة)؛ ومع كل ذلك فالوزير القصيبي -رحمه الله- كان أديباً شاعراً وأديباً؛ وله عدة مؤلفات ومن حرصه على التأليف والكتابة أنه خلال مرضه الأخير ألّف ثلاثة كتب في موضوعات متعددة، كما أشارت جريدة الجزيرة في صفحتها الأخيرة الصادرة في يوم وفاته الأحد 5-9-1431هـ، كل ذلك دليل واضح على عنايته واهتمامه بالكتابة وحرصه على التأليف رغم بقائه على السرير الأبيض، فلم يشغله المرض وإن كان من نوع خاص عن التأليف والإبداع.. رحمه الله رحمةً واسعةً وأسكنه فسيح جنات وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. فقد كان مدار اهتمام الناس طيلة حياته، وسيبقى ذكره بعد وفاته، حيث مواقفه وعطاءاته وحبه لوطنه وتقدير أبناء الوطن له لما تحلى به من وطنية صادقة وأدب وثقافة؛ فمؤلفاته تتحدث عنه وكأنه معنا.
* مدير المعهد العلمي في محافظة الرس