ورحل رمز من رموز الوطن المخلصين إنه معالي الدكتور غازي القصيبي، الذي ملأ ساحتنا بالإبداع والعطاء في شتى المجالات المتعددة المعروفة للجميع والكل قد قرأ أو سمع عن ذلك الرمز حتى يخيل لي أنه رحمه الله كان كتاباً مفتوحاً تقرؤه شرائح متعددة من المجتمع كل حسب ميوله سواء في الإدارة والسياسة أو الفكر والأدب إنه كتاب مفتوح ومقروء بسلوكه ونزاهته وعطائه اللامحدود فتقرأ فيه الجدية والصدق في التعامل مع التواضع مع الآخرين والعطاء ناهيك عن تراثه الباقي الذي خطه بيده نثراً وشعراً وغيرهما. رحمك الله يا غازي فقد كنت الموظف القوي الأمين - وهذا هو شعار وزارة الخدمة المدنية - لتذكر به كل شخص يدخل في خدمة هذه الدولة الشامخة بإذن الله ثم بجهود أبنائها أمثال الدكتور غازي، رحمه الله كما كان أنموذجا يحتذى في الإطلاع والقراءة مما ساعده للارتقاء بفكره وسلوكه فقد سئل مرة وقد تركته المسؤوليات هل تجد فراغا مملا فقال بالحرف الواحد إن من يكون أنيسه الكتاب فلن يجد فراغا (صدق) -رحمه الله- فإن كثرة الإطلاع والقراءة المتأنية يرتقيان بفكر الإنسان وسلوكه في مجتمعه وتقلل من أخطائه بحق نفسه ووطنه والناس، كما كان رحمه الله مثالا لبناء الرجال من حوله فهو يهتم بالموظف الصغير قبل الكبير لعلمه أن ذلك الموظف الصغير سيكبر وتكبر وظيفته فإذا لم يجد الرعاية والتوجيه السليم باكراً فقد يفشل في قابل أيامه، ولعلي أنوه كذلك بأنه أول وزير يسن القسم للمراقبين في وزارة العمل حتى يؤدوا واجباتهم وبين أعينهم ذلك (القسم الذي هو عظيم) فيخلصون ويكون الناتج نجاحات لمصلحة الوطن.
وأختم بما خطه يراع الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير جريدة الجزيرة في مرثيته تحت عنوان (في موكب الوداع المهيب) فيقول: وفي فاجعة موته، سيبقى الناس فترات طويلة في ذهول من هذا الغياب، ولن يفيقوا من الصدمة ومن الفراغ الكبير الذي تركه إلا بعد أن يأخذ الحزن والدموع والآهات مجراها وحقها في إشباع النفوس بكل أدوات التعبير والتصوير عن هذا الفقد الكبير الذي اسمه غازي القصيبي، لكن لا ينبغي أن يصرفنا هذا الحزن والدموع عن البحث الجاد في التعرف على ما لا نعرفه بعد عن هذه الشخصية المبهرة، وذلك بأن نعيد قراءة كتبه وإيجاد وسيلة لقراءتها بشكل مختلف وأفضل من قراءتنا لها إبان حياته، وأن نفتش عن أعمال أخرى كثيرة ومهمة ربما فاجأ المرض ثم الموت الدكتور القصيبي دون أن يدفع بها إلى المطابع لنشرها، فهذا هو الوجه الآخر الأهم من الدموع التي ينبغي ألا تتوقف حين نفاجأ بوفاة أحد من الرموز إلا بعد أن تنجح المحاولات في العثور على ما تركه من إرث ثقافي هائل. انتهى. نعم إنني أضم صوتي إلى ما سبق من رأي جميل لأبي بشار ومن ذلك كذلك ما يحفظه أحبابه المقربون منه من مواقف وطرائف هي في حد ذاتها تكون إرثاً جميلاً يحتذى به. رحم الله الفقيد الدكتور غازي، رحمة واسعة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وزارة التربية والتعليم