Al Jazirah NewsPaper Friday  20/08/2010 G Issue 13840
الجمعة 10 رمضان 1431   العدد  13840
 
وانطفأ ذلك المصباح
عبدالعزيز بن مسفر القعيب

 

إذن فقد غيب الموت الدكتور غازي القصيبي، فانطفأ ذلك المصباح.. ذهب غازي عن عالمنا وكأنه لم يكن يملأ المسامع ولم يشغل مدارك الناس زهاء أربعين عاماً.. وبفقده يخسر الوطن واحداً من رموزه

الثقافية التي ساهمت على مدى عقود من الزمن في تكريس العطاء والتفاني في حب الوطن والعمل من أجله.. وبوفاته عم الجميع الحزن وبالغ التأثر، ولكنه أمر الله الذي لا يقابل بغير التسليم وقضاؤه الذي ليس له عدة سوى الصبر الجميل، وأجد لزاماً علي أن أرثيه -يرحمه الله- ليس ذلك من باب الوفاء لأهل العطاء فحسب، وإنما لنستلهم أيضا من مسيرته الإبداعية دروسا نحن في أمسّ الحاجة إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى، ومهما كتبت عنه فلن أوفيه حقه لأنه عندما تكون الكتابة عن مثل هذه القامة، فإنه تعز المفردات وتضيع الكلمات.. حقاً من أين أجد الكلمات التي تقال عن شخصية مثل شخصية الفقيد.. وماذا عساي أن أكتب عنها وقد ملئت السمع والبصر.

إنه لعزيز على القلم أن يتقطر سواده على القصيبي وهو نوره في مداده وصديقه في أحلك الظروف.. لذا أعتقد جازماً بأنه ليس لدي أكثر مما كتبه القادة والسياسيون والوزراء والأدباء والشعراء والصحفيون فلقد جاءت كتاباتهم في هذا الخطب الجلل مليئة بالوفاء والإبداع في حق من لا يرتضي غير الإبداع سبيلا, وأعتقد أن ما يكتب عن أي شخصية كانت بعد موتها يكون ترجمة صادقة لما في الضمائر وليس أقوال السنة فقط لأنه بعد الموت تبطل المجاملة باختفاء من يجاملونه وتبقى حينئذٍ الأعمال الحقيقية تخّلد قيمة عاملها، ويفرغ المكان فيدل على قدر من كان فيه, وليس ثمة شك بأن الفقيد -يرحمه الله- يستحق كل ما قيل عنه.غازي القصيبي.. أمة وحده.. لم يكن واحداً كسائر الآحاد.. بل كان ينبوعاً متدفقا من السلام والمحبة والوئام جمع بين اللسان والقلم، والرأي والأدب, والسياسة والإدارة لما يتمتع به من شخصية واسعة في الاطلاع وغنىً في المخزون الفكري، فأصبح بحق صاحب الذهن الولود, فكان محلاً للحكمة العالية التي صاغها رب الكون في أجمل قالب من البيان.. ولست أقرر شيئاً جديداً إذا ما قلت إن الفقيد كان شخصية فذة متعددة النواحي تشهد على مدى نبوغه وعبقريته..

إنه حقاً معجزة الأدب والسياسة والإدارة.ولست أغلو إذا ما قلت إنه بحق مصدر إلهام، للكثير من الإداريين والأدباء والاقتصاديين والسياسيين والدبلوماسيين.. القصيبي الوطني، أجاب داعي الوطن بإخلاصه وأمانته طيلة حياته, كافح ودافع بكل ما أوتي من بيان عن وطنه إزاء كل حدث سياسي تمر به المنطقة.. كان في كل محطة كان على رأسها منذ أن كان يافعا في الثلاثين من عمره - منذ توليه أول حقيبة وزارية- كانت آخرها وزارة العمل, مثالاً رائعاً للإخلاص والوطنية, فلقد بث في نفوس الشباب روح الجرأة والإقدام لكي يخدموا الوطن في مجالات قد تكون في أيدي غيرهم, فأصبح نموذجاً لسمو الأخلاق، وشرف التضحية، والنزاهة المطلقة وسوف تكون سيرته العطرة درساً في الوطنية تنهل منه الأجيال من بعده، ويسير على قواعده العاملون... حقاً لقد افتقدناك كياناً أدبياً شامخاً بث عبق الفصاحة في كل مكان..

ولئن غيّب الموت اسمك فإنه سيبقى على أعمالك وإنجازاتك وستظل مؤلفاتك شاهد على ذلك تحمل عبير روحك الطيبة، وسوف نحتفظ بذكراك وروحك الخلاقة التي أعتقد أنها لن تتكرر، وسيظل الجميع يذكرونك، ولن تبرح قلوب أهل الرأي، وذوي المكانة، وأبناء الفكر، وسوف يذكر هؤلاء مواهبك ومناقبك بقلائد النثر والنظم.وداعا أبا سهيل.. ولئن رحلت عنا فلقد خلفت من الذكر الجميل ما سيخلد اسمك على مر السنين والأعوام.. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، وعزاؤنا لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده وسمو النائب الثاني, وحرمه و أبنائه وابنته، والله معكم وقلوبنا تشارككم الأسى، (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ).



al_kuaib@hotmail.com

 


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد