بدءاً أبارك وأزفُّ التهنئةَ مقرونةً بأصدق الدعاء بشهر رمضان المبارك لجميع المسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يديم علينا وعلى أمة الإسلام أمنها وأمانها، وأخصُّ بالدعاء بلاد الدعوة بلاد الحرمين الشريفين، راجياً من الله سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا قادتنا وولاة أمورنا، وأن يعينهم ويأخذ بأيديهم لما فيه خير العباد والبلاد.
ثم الدعاء والابتهال لله سبحانه وتعالى بأن يبارك لنا في خادم الحرمين الشريفين الذي يولي اهتماماً وحرصاً متواصلاً لتجنيب أمة الإسلام كل ما من شأنه بأن يوهي عرى تماسكها ويشتت أمرها، سواء كان ذلك على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العربي أو الإسلامي. وقد بدا ذلك في صور شتى، ولعل قراره الحكيم بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء خير مثال على ذلك. فسوف يدعم هذا القرار ويرفع عن كثير من الناس في هذا البلد المعطاء ما سيلحق بهم من تهكم وسخرية جراء الكثير من هذه الفوضى التي أصبحت تؤرق الكثير وتنذر باختلاف لا خلاف، وبذلك فإن الوحدة التي تهيأت لهذه البلاد على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- سوف تزداد تماسكاً وقوةً لتكون البلاد كلها وفق رؤية واحدة، حتى وإن كان هناك بعض الخلاف ولكنه خلاف محمود وفق منهجية واضحة دون تعد أو توجيه معين، بحيث تكون القناة واحدة، مما يسهل على الناس أخذ الرأي والتماس الفتيا وفق إطار رسمي، فتتوحد بذا التوجهات وتوصد الأبواب في وجوه الناعقين والمتربصين الذين يتحينون الفرص لتعداد ما ينجم عن هذه الاختلافات في بث سموم الفرقة بين أطياف المجتمع بكل شرائحه ليتم بذلك القضاء على التوحد بالرأي أو الحرية غير المقننة والمطلقة.
إن هذا القرار حري بأن يلبس المجتمع لباساً واحداً وهو إتباع المنهاج عن طريق هذه اللجنة والتي ستلقي بكل الآراء غير السوية أو الشاذة خلفها وتأخذ بما تم عليه الإجماع، مع تمشي الفتوى مع روح ومستجدات العصر. فهناك بعض الأمور طرأت ولم تكن موجودة فيما قبل مما يحتم التفات هذه اللجنة لإعطاء رأي واضح فيها حتى لا يلجأ الناس لأنصاف طلبة العلم ليطلبوا رأيهم.
ولقد شاهدنا ورأينا خلال هذه الخلط العجيب في كثير من الفتاوى بعضاً من المشاهد التي لا تسر من تهكم واضح على الفتيا والمفتين، وقد يقع البعض منا في المحذور من حيث لا يدري وهو يتهكم بذلك الحكم، بل إن المجالس العامة أصبحت متفرقة برأيها فكل مفت له أتباع ومؤيدون، وذلك أمر جد خطير وله تبعات قد لا ترى في الوقت القريب. لذلك فإن هذا القرار من إيجابياته إرساء معنى الأمة الواحدة وإحقاق وحدة الوطن والكلمة السواء. وسوف نرى نتائج ذلك تباعاً بإذن الله، فالأمة التي اجتمعت تحت لواء واحد حيث غدت كلمتها واحدة وعزتها واحدة فكلمة الوطن والمواطنة لا تعلو عليها أي عبارة إلا عبارة التوحيد الخالدة لا إله إلا الله محمد رسول الله. فهذه المعطيات بحاجة دائمة للرعاية والتمسك بها وإبعاد أي شائبة أو شائنة قد تعيق تقدمها.
أما الإيغال في هذه الجزيئات والتبعات فليس من صالح الأمة في شيء.
ومما تعجب منه الكثير من أبناء المجتمع هذا التراشق بين طلبة العلم والمتعلمين حول هذا الأمر على الرغم من أننا أمة ومجتمع نؤصل للحوار وتدعو له، فأطروحات خادم الحرمين الشريفين -سلمه الله- لحوار الحضارات والثقافات ووضع مسلمات للتعايش السلمي بين الشعوب ببيان واضح وجلي نحو تأكيد عظمة الإسلام في رصد مواطن الاختلاف والنقاش حولها، فالثوابت لا جدال فيها. أما ما يمكن المحافظة عليه كالسلام العالمي أو الحفاظ على البيئة أو رفع عجلة الاقتصاد وهكذا فهي من الأمور الحيادية، فإن المجال واسع ورحب.
هذا على المستوى العالمي، أما المستوى المحلي فمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يدعو دائماً إلى تثبيت رأي الأمة، فيعقد دوراته ومحاضراته وجلساته، ويسعى حثيثاً بين أرجاء الوطن لدعم هذا التوجه.
فلله درك يا خادم الحرمين الشريفين فقد رأبت الصدع وداويت الجرح.
وأختم بأن على طلاب العلم والعلماء ومن نحا نحوهم واجتهد في إصدار فتوى فيما سبق أن يدعم هذا القرار بكل جهد، ففي هذا دعوة خير وتوجيه ممن هم قدوة لمن يؤيدهم في المجتمع، فمن بايع الإمام لابد أن ينفذ ويسير وفق أمره.
والله الموفق.
alromis@yahoo.com