فقد الوسط الثقافي والاجتماعي والسياسي والفكري ركنا من أركان الوطن البارزين وعلما من أعلام الآداب والشعر والثقافه.. المتمثلة في شخصية معالي الدكتور غازي القصيبي - رحمه الله - الذي غادر هذه الدنيا بعد معاناة طويلة مع المرض.. والفقيد يعتبر من رجالات الوطن الأوفياء ممن خدموا دينهم ومليكهم وبلادهم بكل إخلاص وتفان، تقلد - الراحل - خلال مسيرته القيادية العديد من المواقع طيلة العقود الثلاثة الماضية.. كان بالفعل رجلا شموليا واستثنائيا في كل شيء.. في قيمه الأخلاقية ووعيه التنظيمي وحسه الوطني ومخزون تراكمه الثقافي العميق في علم الإدارة.. قاد معارك تنموية وتطويريه وتنظيميه في مشواره الوظيفي الذي تجاوز أكثر من ثلاثة عقود زمنيه وتفوق في مضمار النماء والبناء بفكر استراتيجي ولياقة مهنية عالية ورؤية مستنيرة نابعة من شخصية كرازمية أكسبته شعبية كبيرة في نزاهته وأمانته ونظافة اليد واللسان ..!.
هذه الشخصية الاستثنائية أضاءت العديد من المواقع القيادية سواء في الحقائب الوزارية التي حمل همومها وشجونها أو في السلك الدبلوماسي الذي ترك داخل دهاليزه بصمات واضحة وأثرا جليا.. حتى أصبح شخصية فذة يشار لها بالبنان فكرا وعلما واستنارة.. القصيبي الرمز المثقف والإداري الناجح والاجتماعي المحبوب والسياسي المحنك والاعلامي المخضرم.. كان له تواصل مع الجميع يتعامل بخلق عالٍ وتواضع جمّ وسلوك فطري رفيع جبل عليه.. ولعل من المواقف التي حدثت لكاتب السطور معه شخصياً عندما تولى حقيبة وزارة المياه والكهرباء وحصل أن رشحت في عملي ضمن الموظفين المتميزين عام 1423 وتم تكريمنا في حفل رعاه فقيد الوطن غازي القصيبي في مقر النادي الرياضي التابع للوزارة وتزامن إقامة الحفل في شهر رمضان المبارك.. حيث تشرفت بالسلام عليه ونيل شهادة الشكر والتقدير منه -يرحمه الله- وحملت توقيعه وقد كتب عبارته الشهيرة أخوكم وزميلكم (غازي عبد الرحمن القصيبي) واختتم إشادته وقد هنأ كاتب السطور بالشهر الكريم عندما كتب أيضا -وكعادته- بخط يده (كل عام وأنتم بخير).. في لفتة رائعة تنم عن تواضع الكبار بقيمهم الأدبية وسلوكهم الجمّ.. ولا أنسى عندما صافحته بادرني بابتسامته المشهورة وبشاشته المعروفة وهو يهنئ المتميزين بشهادة الشكر والتقدير وأتذكر جيدا, عندما قال (لزملائي الموظفين) أنتم المتميزون نفتخر بكم وبعطائكم ونتمنى لكم التوفيق والسداد في عملكم, ثمة موقف آخر ترجم نموذجية (القصيبي) ومثاليته من مواقع المسؤولية وتحديداً في وزارة العمل فعندما كتبت هنا عبر الصفحة مقالة بعنوان (القصيبي وأمانة الصندوق الرياضي) أشرت في ثنايا المقالة إلى تفاعله مع كل ما ينشر في الصحف فيما يخص شؤون وشجون وزارته وإبراز الجوانب الإيجابية في تعامله مع القضايا وتقديمه كنموذج يفترض أن يقتدي به الجميع، هذه المقالة كنت قد انتقدت فيها أسلوب (التطنيش )إإمن أمانة الصندوق الرياضي في الرئاسة العامة لرعاية الشباب واستشهدت بمعاليه في كيفية تفاعله مع كل شاردة وواردة تنطلق من بوابة وزارته، وبعد أيام قلائل وجه الوزير الراحل خطاب شكر لمكتب سعادة رئيس التحرير.. ثمّن فيه ما طرحته عن منهجية أدائه وأسلوب وطريقة تفاعله وتعاطيه مع الأحداث والقضايا التي تخص حقيبته الوزارية.. مؤكداً أن ما يقوم به ينطلق من مفهوم القيم الإدارية والوعي التنظيمي الذي كرسه الوزير القصيبي في منهجيته الإدارية ورؤيته المستنيرة وأسلوب حياته القيادية التي شكلت منه شخصيه شموليه استثنائية.. سبقت زمانها بمراحل وبالتالي استحقت الإشادة والريادة في علم الإدارة والارادة.
رحم الله الإنسان (غازي القصيبي) الذي رحل عن هذه الدنيا الفانية بجسده.. لكنه سيظل حاضراً بقوة في قلوب أحبابه وأصحابه ومتواجدا في ذاكرة الوطن بسيرته النيرة التي ترتكز على قواعد القيم النبيلة والخصائص السلوكية والحس الوطني والمبادئ الإنسانية المتأصلة في وجدانه وعمق جوانحه.. رحم الله الوزير والمثقف والأديب والشاعر الأصيل أبا سهيل وأسكنه فسيح جناته.. والعزاء هنا أن الفقيد رحل وستبقى سمعته الطيبة خالدة في صفحات رجال من ذاكرة الوطن ومحفورة في أخاديد الزمن والله المستعان.