عبر كتابه (ثقافتنا بين الوهم والواقع) يقدم المؤلف طارق حجي محاولة للإجابة على تساؤل: لماذا تاهت الثقافة المقروءة بين بحور الثقافات السمعية والبصرية الجاهزة، ولماذا ضاعت هوية الإنسان العربي؟
ويقول المؤلف: لا ريب أن عدة دول من العالم الثالث تملك كوادر بشرية مثقفة بشكل ممتاز وثري ولكن المشكلة تكمن في أن السواد الأعظم من هؤلاء من الذين احترفوا الثقافة أي جعلوها مهنتهم فهم إلى جانب كونهم مثقفين فإنهم يعملون أيضا بالثقافة، أما خارج دائرة هذا الكادر البشري المثقف فإنهم يعملون أيضا بالثقافة، أما خارج دائرة هذا الكادر البشري المثقف وأعني دائرة المثقفين فإن وجود كوادر بشرية مثقفة في هذه الدول يكاد يكون أمراً نادراً.
وتعني هذه الملاحظة أن دول العالم الثالث لديها أهل فكر من بين أفراد دائرة المثقفين ولديها أيضا أهل فعل خارج دائرة المثقفين والسواد الأعظم من هؤلاء لم تدخل الثقافة الثرية في تكوينهم وهو ما يعني أنه باستثناء أهل دائرة الثقافة فإن أهل الفعل في هذه المجتمعات في عشرات الميادين والمجالات العلمية والعملية والصناعية والاقتصادية والخدمية لم تكن الثقافة من بين مكوناتهم الأساسية.
وقد دلتني تجربة التعامل الوثيق مع الحضارة الغربية للتعرف على الصورة المعاكسة والموجودة في البلدان الأكثر تقدما في أوروبا وأمريكا وبعض بلدان شرق آسيا ففي هذه البلدان يرى الإنسان ويلمس وجود المكون الثقافي خارج دائرة المثقفين الضيقة بل ويجد ثراء ثقافياً مذهلاً عند قيادات معظم الميادين والمجالات التي ذكرتها وأعني المجالات العملية والعلمية والصناعية والاقتصادية والخدمية فالعلم الواسع بالتاريخ والآداب وعشرات المجالات الثقافية والفنية وأيضاً عشرات المجالات التي تنضوي تحت مسمى العلوم الاجتماعية هذا العلم الواسع متوافر ليس فقط لأهل دائرة المثقفين الضيقة بطبيعتها لاشتمالها على الصفوة من الناحية العقلية وإنما هو أمر متوافر وبثراء وغزارة عند العناصر البشرية القيادية في سائر المجالات الأخرى التي ذكرتها.