شرفني أخي الدكتور عمر بامحسون بأن أكون ضيف الافتتاح للموسم الثقافي القادم لمنتداه المعروف بالرياض، الذي سيعاود نشاطه مساء الثلاثاء 28 سبتمبر القادم، حيث سأقدم محاضرة بعنوان: «جدل البطالة والسعودة».. وكنت سعيداً بحضور مجلس الأستاذ الفاضل عبد الله باحمدان، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي، مساء السبت الماضي، بحضور الدكتور بامحسون ونخبة من رجال المال والأعمال، ويرافقني الأستاذ غسان محمد مختار علمدار، حيث كان الحديث يدور حول موضوع البطالة والسعودة..
وكان لكل شخص رأيه ورؤيته، وهذا اختلاف صحي في الرأي.. ولا أريد أن أكشف عن وجهة نظري عن هذا الموضوع بشكل مفصل الآن، بل سأترك ذلك للمحاضرة.. ولكني تطرقت في تلك الأمسية الجميلة مع أبي كمال عن مأزق ازدواجية الشخصية التي أصبحت، في ظني، ظاهرة في المجتمع السعودي.. وأضع الآن اللمسات الأخيرة على كتاب عن هذه الظاهرة عنوانه: «تقطيع التفاح» وهو يجسّد هذه الظاهرة عن طريق قصص ونماذج واقعية أو تعبيرية من المجتمع.. والواقع أن ازدواجية الشخصية لها أبعاد اقتصادية، إذ لا يقتصر أذاها على الجانب الاجتماعي أو البعد السلوكي فقط.. فازدواجية الشخصية تقتل مبدأ الشفافية والإفصاح والوضوح، وهي ركائز أساسية لمراقبة أداء فعاليات الاقتصاد، وبالتالي العمل على تحسينها وتطويرها..
وأحسب أن ازدواجية الشخصية تتجاوز كونها سلوكاً اجتماعياً ممقوتاً، بأنها تخالف المبادئ الإسلامية التي تنبذ أن نقول غير ما نعمل أو نعمل غير ما نقول.. فذلك سلوك غير سوي.
ومن الضروري أن يكون له آثار سلبية ليس على المجتمع فحسب، بل على جوانب كثيرة من الاقتصاد تشمل تعاملات الناس والثقة في الأعمال، وهي من المؤشرات التي يمكن البناء عليها في تصنيف الاقتصادات عالمياً، وهذا ما يحصل فعلاً.. وقد كان الحديث عن ازدواجية الشخصية في تلك الأمسية الطيبة ثرياً واتسم بالموضوعية، واجمع الحاضرون على أنه سلوك مشين وإن كان من الملاحظ انتشاره حالياً في المجتمع، وفي أوساط رجال المال والأعمال.. وأذكر أن أستاذنا القدير الدكتور محسون بهجت جلال، يرحمه الله، كان يتحدّث عن هذا السلوك ويسميه النفاق الاجتماعي..
وكان يدين سوء ذلك السلوك، وإن كنت أرى أن ازدواجية الشخصية لها أبعاد أكثر سوءاً على المجتمع والاقتصاد على حد سواء، لأنها تخلق مناخاً قد تنعدم فيه الثقة، وقد لا يمكن أن تقيم الأحداث وتبني عليها رؤية دقيقة لأنك، بكل بساطة، لا تعرف حقيقة الموقف، وبالتالي لا يمكنك تقييمه..
وتسهم ازدواجية الشخصية إلى حد كبير في وضع بعض الأشخاص في غير مواقعهم التي يستحقونها، وفي ذلك، كما يسميه الاقتصاديون، سوء في توزيع وتخصيص الموارد الاقتصادية في الاقتصاد، وهو ينعكس بالضرورة على أداء الاقتصاد وحسن الاستثمار..
حتى نفهم علم الاقتصاد جيداً يجب أن نقرأ ما خلف النظريات الاقتصادية، ونتعمق في أفكارها، دون أن نكتفي بتطبيقاتها المباشرة، ففي كل ذلك تدبر يثري الفكر ويفيد العمل.