كثيرًا ما سألت نفسي وأنا أرى وأسمع وأقرأ عن هذه الفعاليات والمناشط الدعوية، التي تُقام بشكل متواصل في مختلف قرى ومدن المملكة: هل نعاني فعلاً من أُمّية دينية إلى هذا الحد، الذي يجعل وعاظًا وأساتذة جامعات يجوبون البلاد من أقصاها إلى أقصاها لإلقاء دروس ومحاضرات ومناشط دعوية؟ هل هناك قصور في فَهْمنا للدين حتى تُقام كل هذه المحاضرات والندوات، وفي بلد يحفظ فيه طالب المرحلة الابتدائية ربع القرآن الكريم؟ الذي أدريه أن عصرنا الذي نعيشه عصر نور وعلم؛ حيث إن طالب المرحلة الابتدائية يخرج منها وهو مُلمٌّ بأمور دينه، عارف الحلال والحرام؛ إذن فلِمَ كل هذه المناشط؟ ألا يكفي ما يقوم به خطباء الجُمَع، ووعاظ المساجد، والقنوات الدينية (الحركية) التي تجوب المدن والقرى وتسجل الحلقات المتتالية؟! يذكرني ما نراه اليوم من كثرة غير مبررة في إقامة المناشط الدينية المختلفة, بفترة المد (الصحوي)، حين سيطر على المنابر, واتجه إلى الشباب الملتزم باعتدال في المساجد والجامعات والمدارس، ووزَّع ملايين الأشرطة التي تحمل الخطب الحماسية التي تحث الشباب على الجهاد (العبثي)، والغلو المقيت، وكان من نتيجته أن أصبح بعض شبابنا (حطبًا) لنزاعات إقليمية وأهداف سياسية في أفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها من بؤر التوتر في شتى أنحاء العالم. وفي تقديري أن حاجتنا اليوم، وفي عالم يموج بالتحولات الكبرى، إلى حراك فكري وثقافي يأخذ في الاعتبار التغيرات التي حدثت، وأهمية المواطنة الحقيقية. بشكل آخر نحتاج إلى خطاب مختلف يؤمن بأن هذه البلاد العظيمة وجزء مهم من العالم, خطاب يحمل نبرة التسامح، والحوار مع الآخر, ويؤصل الحس الوطني في النشء؛ فهذا الوطن الغالي يريد مواطنين يعرفون حقيقته و»يعضون» عليه بالنواجذ، بدلاً من مواطنين يرون فيه وطنًا يتقاسم الولاء مع أوطان أممية أخرى.
المطلوب إنشاء مراكز ثقافية تُقام فيها مختلف الفعاليات في مختلف محافظات المملكة، تدعو إلى الوسطية الحقيقية، والى تأصيل الانتماء الوطني، وتساهم في توجيه الشباب إلى قيم معرفية تقوم على التسامح، والتحاور، ونبذ التطرف، والإرهاب، والغلو. نريد فكرًا يفتح آفاقًا جديدة من التنوع، وتعددية الآراء والأفكار, بدلاً من الخطاب الإقصائي القائم. وفي ظني أن إشاعة مبدأ الحوار الحضاري المتسامح سيقودنا بالضرورة إلى فضاءات خلاقة، من الوعي المعرفي القادر على إحداث التنوع الفكري القائم على تعددية الآراء والأفكار، بدلاً من حالة التقوقع والانزواء، والتوجس من كل رأي مخالف.
أريد أن أقول في النهاية: إنَّ إشاعة مبدأ الحوار المتسامح, وتأصيل الانتماء الوطني، وفتح قنوات ثقافية فاعلة ومؤثرة هي السبيل لخلق جيل قادر على التعايش مع الآخرين بمختلف توجهاتهم الفكرية والدينية والحضارية، جيل يؤمن بكل نواميس الحضارة الإنسانية دون خوف أو عداء!!
alassery@hotmail.com |
|
هل نحتاج إلى كل هذه المناشط؟ تركي العسيري
|
|