توحيد المملكة العربية السعودية بكيانها العظيم على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه لم يكن بالحدث العادي، فقد حمل معه الكثير من المعاني السامية، فكان بمثابة الحلم الذي تحقق لأبناء المملكة الذين عانوا ظروفاً صعبة من الفقر والجهل، إلا أن توحيد المملكة على يد صقر الجزيرة شكل انطلاقة نحو تحقيق الأمن والأمان للمواطنين؛ فقد وضع الملك عبدالعزيز رحمه الله اللبنات الأولى نحو نقل أحوال المواطنين إلى ما وصلت إليه اليوم من تقدم كبير يشهد له القاصي والداني.. وقد استمر أبناؤه البررة الملك سعود وفيصل وخالد وفهد رحمهم الله في تطوير وتنمية المملكة بتركيز كبير على المواطن الذي طالما بقي حجر الزاوية في كل الخطوات التي تم تحقيقها، ساهم بكل ذلك توظيف موارد النفط الذي منذ اكتشافه العام 1938 تم تسخير موارده خدمة للوطن والمواطن حيث أنفق آلاف البلايين على النهضة التنموية في كل المجالات وجاء عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لينتقل بالمملكة إلى عصر جديد من الانفتاح الاقتصادي يتماشى مع تطورات العصر والتغيرات الدولية الحالية. فقد كرس - حفظه الله - جل اهتمامه نحو تنمية الموارد البشرية عبر إنفاق هائل على التعليم خصص له ومنذ عدة سنوات بشكل مستمر ربع الميزانية المعتمدة سنوياً لتبلغ بالعام الحالي قرابة 125 مليار ريال؛ فقد تركزت رؤيته - حفظه الله - على أن تنمية العنصر البشري وتعليمه ضرورة أساسية لتقدم المملكة عالمياً خصوصاً بعد أن انضمت المملكة إلى منظمة التجارة العالمية في بداية عهده الزاهر.. وقد تحقق في السنوات الخمس التي مضت على توليه مقاليد الحكم الكثير من الجوانب التنموية بشكل حمل معه توازناً دقيقاً، فتم افتتاح الجامعات في كافة مناطق المملكة لتغطي الاحتياج المتزايد على التعليم العالي، وكذلك أسست مئات المعاهد الفنية والتقنية لتكون رافداً كبيراً للتخصصات المهنية مع توسع كبير في مجال الابتعاث الخارجي عبر برنامجه الذي وصل عدد المستفيدين منه أكثر من 70 ألف طالب وطالبة من أبناء الوطن، وفي أرقى الجامعات العالمية مما سينعكس بأثر إيجابي كبير على مستوى الإنتاجية للفرد ويرفع من مشاركته في النمو الاقتصادي مستقبلاً.. ويأتي كل هذا الاهتمام الكبير بالتعليم ليتماشى مع الإنفاق الحكومي الكبير على تهيئة البنى التحتية لجذب الاستثمارات للمملكة وتنمية الثروة الوطنية ورفع دخل المواطن وتحسين أحواله المعيشية حيث يتزامن هذا الاهتمام بتنمية العنصر البشري مع خطط تنموية كبيرة تبرز فيها المدن الاقتصادية الحديثة وانتشارها في مختلف مناطق المملكة للاستفادة من الميز النسبية التي تمتلكها لتكون رافداً مهماً للاقتصاد وعاملاً مساهماً بتوزيع التنمية على كافة المناطق مما يعيد هيكلة الانتشار السكاني وتقليل تركزه بالمدن الكبرى، وكذلك تلعب دوراً كبيراً بالتنمية المستدامة التي تعد هدفاً إستراتيجياً للاقتصاد السعودي، حيث سيتم توفير عشرات الآلاف من الفرص الوظيفية للشباب السعودي فيها.
ولم تكن الأزمة العالمية بالتحدي السهل لاقتصاد المملكة غير أن الاستفادة من التجارب السابقة للمملكة بالتعامل مع الظروف التي عصفت بالمنطقة والعالم خصوصاً إبان انخفاض أسعار البترول لمستويات دون العشرة دولارات وما صاحب ذلك من مصاعب كبيرة واجهها الاقتصاد الوطني بكل اقتدار، كان المنطلق الرئيس نحو تعزيز قدرات الاقتصاد مالياً في وقت مبكر سبق الأزمة بعدة سنوات من خلال أكبر عملية هيكلة وإصلاح اقتصادي وذلك عبر رفع الاحتياطيات المالية إلى مستويات فاقت 1600 مليار ريال من خلال تحويل الفوائض المالية التي تحققت من ارتفاع أسعار النفط في السنوات السبع الأخيرة لبناء احتياطي مالي يعطي أريحية ومرونة للحكومة بالتعاطي مع كافة الظروف الاقتصادية العالمية مع تخفيض مستوى الدين العام من 70% إلى 16 % حالياً والبدء بتنفيذ البرنامج التنموي الضخم بحوالي 1500 مليار ريال والذي أعلن عنه خادم الحرمين الشريفين في العام 2009 في قمة العشرين التي عقدت بواشنطن، وتعد المملكة اليوم من أفضل الدول أداءً باقتصادها، حيث لم يكن للأزمة أي آثار ذات قيمة على الاقتصاد السعودي، بل وأصبحت تجربة المملكة بتأمين قطاعها المالي وسياستها النقدية والمالية الحصيفة مثار إعجاب وتقدير دولي.. وفي الدور الدولي فقد عزز خادم الحرمين الشريفين ما انتهجته المملكة عبر العقود الماضية من كونها عامل استقرار لأسعار النفط ومسانداً كبيراً للنمو الاقتصادي العالمي؛ ومثلت دور الحكيم بين المنتجين والمستهلكين خصوصاً بعد تراشق الاتهامات بين أطراف السوق النفطي حول المتسبب برفع أسعار النفط إلى مستويات قاربت 150 دولاراً للبرميل لتدعو المملكة طرفي السوق بمؤتمر عقد بجدة تمخض عنه العودة لطاولة الحوار البناء والتعاون بين جميع الأطراف للعمل سوياً على ضبط السوق ومنع المتلاعبين من انتهاز وضع الاقتصاد العالمي الذي يعيش أزمة غير مسبوقة بحجمها مما أسهم باستقرار أسواق النفط من ناحية الإمدادات والأسعار وأصبحت الطاقة عنصراً فعالاً في حل أزمة العالم عبر الاستقرار في أسواقها الذي سمح بتحجيم المخاوف من التضخم وما قد تؤثر فيه أسعار الطاقة، وبالتالي انتقلت الكرة لملعب المستهلكين وبقية المنتجين للسلع الأخرى للمساهمة بعودة النمو للاقتصاد العالمي.
توحدت المملكة على يد المغفور له الملك عبدالعزيز وفق رؤية إستراتيجية ونظرة ثاقبة أراد من خلالها أن يكون هذا الكيان العظيم عامل قوة ودعم للعالم العربي والإسلامي ومساهماً فعالاً في دعم النمو والاستقرار الدولي واليوم تتجسد هذه الرؤية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز عبر المكانة الدولية المهمة والدور البناء في خدمة العرب والمسلمين، فمن زمن الفقر والتخلف الذي سبق توحيد المملكة إلى عضو فاعل في تجمع لأكبر عشرين دولة بالاقتصاد العالمي.