Wednesday  22/09/2010 Issue 13873

الاربعاء 13 شوال 1431  العدد  13873

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

           

الاندهاش الأول المترتب على اكتشاف الآخر المختلف مجرد إحساس سطحي طارئ بالإعجاب، لكنه قد يصيب الإنسان الفطري الساذج بالعدوى، لأن العدوى السريعة بشيء ما سببها نقص في المناعة الذاتية في مجال ذلك الشيء.

الانبهار شيء آخر، شيء عميق له علاقة بالتعجب وليس بالإعجاب، وبالإدراك العقلاني لوجود شيء جوهري في عمق الآخر المختلف. مستوى الاندهاش الفطري لأهل الخليج بالآخر المختلف في دول الجوار رائج، بل هو حديث الساعة بعد كل موسم سياحي. أما مستوى الانبهار العقلاني بشيء جوهري متواجد هناك ومفقود هنا فهو غير موجود لانتفاء الفارق من الأساس. الانتقال إلى مستوى من المظاهر مختلف عن الأصل، كالهندام وتصفيف الشعر والمشي بطريقة استلفاتية والتحدث بلغة احتيالية.. كل هذه الأمور سهلة التعلم والاقتباس لكنها تبقى مجرد إعجاب سطحي بالظاهر، بالقشرة، أما اللب الداخلي فقد يكون له طعم غير مستساغ أحياناً.

علاقة المجتمعات الخليجية (والمجتمع السعودي كنموذج خاص) مع المجتمعات المجاورة فيها الكثير من الاندهاش والقليل جداً أو لا شيء من الانبهار. ظاهرة تزاحم الإنسان السعودي من الجنسين وتعريض نفسه بسذاجة للاحتيال والابتذال في البلدان المجاورة يجب أن ينتبه إليها ويبحث بعمق عن ذلك المحتوى المتواجد عند الآخر، والذي يجعل السائح السعودي من الجنسين يتحدث عنه بتنطع واستحلاب ريق. إنه اندهاش الكبار الغرائزي بالظاهر السطحي عند الآخر. يشذ عن هذه القاعدة أولئك الكبار الذين انتقلوا عبر تجاربهم من مجتمعات الإدهاش إلى مجتمعات الإبهار، وكذلك الأطفال يشذون أيضاً عن هذه الانجذابية الاندهاشية ويقولون لك لو سألتهم عن انطباعاتهم: ما عند ذولاك إلا ضيقة صدر وخرابيط.

ظاهرة الاندهاش الساذج أمام الآخر المختلف أصبحت لها دوائر على السطح أوسع من مجرد التنطع بالذكريات والمبالغة في الكذب عن التجارب المكتسبة هناك. وصلت الأمور إلى المقارنة بين نساء هنا ونساء هناك ورجال هنا ورجال هناك بطريقة المناكفات السخيفة (والحقيرة أحيانا) والركل والرفس المتبادل تحت الطاولة. الكثير من هذا الرفث والفسوق معروض بكل وقاحة واحتقار للذات في النقاشات الفضائية وصفحات الجرائد ومنتديات الشبكة، والأسباب كثيرة الشبه بالاندهاش الغريزي البدائي لأغنام البادية التي تذوقت لأول مرة مريسة التمر عند الحضر وفضلته على العشب الصحراوي.

يصاب الإنسان بالامتعاض حين يشاهد ما تفعله المرأة المحلية بنفسها لاجتذاب الأنظار هناك وما يرتكبه نصفها الآخر بدوره من صرعات البذخ ومحاولات تعويض الناقص في شخصيته بالفلوس وشراء الخدمات بأضعاف أثمانها.

من الممكن أن نضع الأمر كله في خانة العابر الذي سوف يمسح من الذاكرة باكتشاف الواقع الجوهري للآخر وعدم أفضليته على المحلي، ثم تعود القطعان الهائمة إلى بعضها قبل أن تنهشها الذئاب. لكن الأمر أبعد من ذلك ويخفي وراءه قدراً كبيراً من انتقاص الذات والغباء لصالح الآخر، بالإضافة إلى القليل أو الكثير من العبث الأخلاقي لا تقبله النفوس الكريمة.

على رجال هذه البلاد الصحراوية برمالها وجبالها وسواحلها ألا يخضعوا مقارناتهم نساء هذه البلاد بغيرهن للغرائز البدائية. يجب أن ترتفع المقارنة إلى مستوى التأمل في النخلة الصحراوية هنا بشموخها واستقامة جذعها وانسدال جدائلها وتراقصها مع الريح مقاومة الانكسار، ومقارنتها بشجرة الزيتون هناك التي هي مباركة ومثمرة أيضاً، لكن انتفاش رأسها وتفرعات جذعها وشحوب أوراقها لا تكسبها المنافسة مع مواصفات النخلة الجمالية.

افتح الثلاجة وانظر إلى تفاحة حمراء مستديرة طعمها واعد باللذة ثم رد طرفك إلى صحن الرطب بجانبها. إن كنت صحراوياً ذويقاً فسوف تعترف بأن لذة التفاحة عابرة تكتفي النفس منها بالقليل بينما طعم الرطب ينساب ويتسلل إلى أعماق الروح الصحراوية وكل ميسر لما خلق له.

أيها الأغبياء من الرجال لقد صبرت عليكم نخيل الصحارى ومهارها آلاف السنين وهي تكد وتكدح وتنتج وتشبع وتفطم بصمت وصبر رفيقة العمر والدرب الطويل. ويا أيتها الغبيات من النساء، لولا كدح الرجال وفروسياتهم عبر تاريخكم الطويل الصحراوي المشترك لما وجدت واحات خضراء في الصحارى القاحلة ولما استطاعت الأجيال الجديدة الوصول في الحياة إلى عصر النفط والسياحة والهامبرغر.

على امرأة هذه البلاد أن تحافظ على تماثلها الصحراوي مع النخيل والمهار العربية الأصيلة، وعلى فارسها القديم أن يعود كما كان.. تذكروا إذا سقط الفرسان أخذت المهار سبايا، ليس في قديم الزمان فقط بل حتى في زمان الفضائيات.



 

إلى الأمام
نساء هذه البلاد مثل نخيلها ومهارها
د. جاسر عبد الله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة