أحد الأقارب جاء منزعجا من صلاة العيد قائلا بأنه رأى مجموعة من النساء وأبنائهن أمام باب المسجد وبأيديهن صور دفاتر العائلة يتسولن بها من المصلين الذين يشكل الوافدين منهم الغالبية العظمى فالمسجد قريب من شركة مقاولات كبرى وجلهم من العمالة، ويضيف قريبي بأن كرم هؤلاء العمال المسلمين وشهامتهم وهم من الطبقة الفقيرة ملأت أكياس الشحاذين بالنقود من فئة الريال والخمسة والعشرة ريالات.
وانزعاج قريبي جاء لأسباب ثقافية بالدرجة الأولى إذ يقول إن العامل الوافد قليل الدخل الذي تنتظر أمواله أنفس كثيرة في بلاده يكرم زوجة وأبناء المواطن الذي لو لم يجد إلا قوته البدنية لوجد عملا يكف به وجهه وأسرته عن مذلة السؤال وإن كان بدخل بسيط وكلنا يعلم أن من يريد العمل يجده إذا لم يشترط شروطا محددة وإذا كان يرى أن العمل أشرف من التسول وسؤال الناس أعطوه أو منعوه.
وأقول وللحقيقة نعم إن ثقافة العمل مرتبطة بكرامة الرجل وكرامة الرجل مرتبطة بعمله وقدرته على إعالة نفسه وأسرته وتوفير متطلباتهم وأعتقد أن كل من يرى في التسول وسيلة لإعالة أسرته هو رجل فاقد لكرامته ولقد خبرنا رجالاً أيام ضنك العيش لا يسألون الناس إلحافا يبحثون عن العمل أيا كان نوعه ليأتوا لأسرهم بمتطلبات حياتهم وعندما لا يجدون العمل كانوا يسعون في الأرض بحثا عن الرزق حتى وصل بعضهم أقاصي البلاد وصبروا وصابروا ولم يتسولوا وحافظوا على كرامتهم وكرامة أسرهم، بينما اليوم وللأسف الشديد نرى كثيرا من الرجال ومن المواطنين يكون خيارهم الأول في الحصول على المال من التسول بكافة صوره وأشكاله ويعلمونه أبناءهم منذ الصغر ليألفوه ويرون فيها مصدرا للمال السهل.
من جهتي لا أرى لأحد الحق في التسول بتاتا ولا أرى لأحد حقاً في أموال الزكاة والصدقات إلا مستحقيها وبكل تأكيد المواطن القادر على العمل ويتقاعس لأسباب غير مقنعة ليس مستحقيها خصوصا وأن العمل متوفر في بلادنا بشكل كبير ويحصل عليه الوافدون الذين يدفعون آلاف الريالات لتجار الإقامات للوصول لبلدنا بلد المال والأعمال إلا أن يريد المواطن المتسول عملا معينا ويفضل التسول على العمل في غير العمل الذي يريد وهذا إنسان مريض نفسيا يجب معالجة منظومة قيمه ومفاهيمه قبل مساعدته.
يقول لي أحد العاملين في المشاريع الإسكانية الخيرية التنموية أن بعض الأسر ترفض الخروج من السكن بعد أن تتحسن أحوالها وتصبح من الأسر الميسورة التي يجب أن تساعد الآخرين ويؤكد لي أن ذلك لأسباب ثقافية؛ إذ إن ثقافة التسول تأصلت في أنفسهم وقد تكون هذه الثقافة هي التي أفقرتهم من الأساس، وعليه فإني أقترح على وزارة الشؤون الاجتماعية وعلى الجمعيات الخيرية العمل على إعادة تشكيل المنظومة الثقافية لدى المستفيدين القادرين من غير العجزة وكبار السن كأحد مسارات معالجة مشكلة الفقر والتسول الإستراتيجية إضافة لمساري الدعم والتأهيل، كما أقترح على إدارة مكافحة التسول معالجة المتسولين المواطنين الذين تقبض عليهم كمرضى نفسيين ومساعدتهم على الحصول على عمل مناسب قبل إطلاق سراحهم ومن لم يستجب ويكرر التسول يحال لهيئة الإدعاء ومن ثم القضاء لمحاكمته ومعاقبته.
ختاما أقول إن تفسير كثير من المفسرين والمفتين قول الله تعالى {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} بقولهم إن السائل هو سائل المال قد شجع المتسولين كما وضع المحسنين في حرج من نهرهم وإن كانوا أصحاء قادرين على العمل رغم أنها جاءت مقابلة لقول الله تعالي {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى}، ولم تكن مقابلة لقول الله تعالى {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} والتي قابلها قول الله تعالى {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} ما يؤكد أنه السائل عن العلم والمعرفة حتى ينتقل من الضلال إلى النور ولقد ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم ينهر سائلا حتى وإن كان سؤاله استفزازيا وتهكميا.
* * *
alakil@hotmail.com