محمد بن راجح الشهري - الرياض
تابعت الحملة الإعلامية التي قامت بها جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالرياض خلال شهر رمضان المبارك هذا العام للتعريف ببرامجها ومناهجها ومناشطها وفعالياتها من خلال صفحات جريدة الجزيرة التي أحببتها منذ زمن بعيد. وليس المقام مقام غزل لأتغنى بهذه الصحيفة الميمونة التي لست أنا الوحيد الغارق بحبها، ويكفيها من محبيها أنهم لا يستطيعون يعبرون عن حبهم بأكثر مما قاله الشاعر في حبيبه:
«أحبه لست أدري ما أحب به
حتى خطاياه ما صارت خطاياه»
فما قامت به الجزيرة -مشكورة مأجورة- ما هو إلا جزء يسير يقدم للقرآن وأهل القرآن.. لكن يا ترى أهذا الإحساس أهو إحساسي بمفردي أم أنكم تشاركونني حمل تلك المشاعر؟! وهل ثمة على الطرف الأخر من يعتبرونا رجعيين بهذا الإحساس؟! وهل تظنون أن هناك طيفا آخر يحمل موقفا سلبياً من هذه الحملة؟!
بكل صراحة ما كنت لأعتقد أن يكون من بين الإجابات الواردة إلا نعم واحدة، وهي أننا جمعيا شركاء في دعم وتأييد هذه الحملة المباركة؛ لأنها باختصار حملة تعليم وتحفيظ وتلاوة دستور سماوي يعز الله به أقوام ويذل آخرين. كانت تلك الحملة متنفسا للبعض أن يميط اللثام عن وجهه ويظهر صوته كما هو دون مؤثرات.. ولكم ذُهلت من بعض الكتاب الذين جيشوا أقلامهم مستكثرين 150 مليون ريالا كوقف استثماري لدعم برامج حفظ وتعليم كتاب الله! وليته صمت على ذلك وحسب، بل علل لذلك أن تلك الملايين تذهب في ألفاظ مكررة.. ووالله أنني إلى الآن لم أستوعب ماذا يقصدون بألفاظ مكررة.
يا الله لطفك ورحمتك! كيف أغمضنا أعيننا عن حقيقة أن القرآن معجز بلفظه وحرفه ومعناه. فكل حرف منه غنيمة وكل كلمة منه عزة وكل آية منه نجاة ومنهج حياة. فماذا لو كررناه واجتهدنا في تكراره؟ ألم يكن أقل ما نخرج به من الفوائد هو تقويم اعوجاج للسان وعلاج أمراض الفؤاد وصلاح المسالك.
المصيبة أن بعض الكتاب - هداهم الله - كمسترقي السمع يأخذون كلمة واحدة صحيحة ويمررون معها ما يريدون وما يعنون.. فعندما يشير بعض الكتاب إلى مشكلة الفقر والبطالة وتبعاتها وآثارها ربما لا يكون الأمر موطن اختلاف بيننا، لكن كل في سياقه وموسمه. فالبطالة والفقر داء وإعطاب للتنمية، ولن تتباين الرؤى حول ذلك. فهل تباين في أن البعد عن القرآن الكريم زيغ وضلال، سواء في تعليمه وتحفيظه أو قراءته وتدبر معانيه؟!
حينما نقدم حسن الظن على سيئه و»نمكيج» ما قاله بعض منتقدي الحملة من «أن التواصل الطبيعي للحياة يمد جسوره مع الإنسان لا مع الشعائر المنبتة عن روحها» نجد أن أجمل معنى نتحصل عليه بعد تقديمنا الخير على الشر و»المكيجة والسمكرة» لهذا المعنى هو أن شعائرنا متأخرة عن ركب الحياة الإنسانية التي يعيشها إنسان اليوم. فبالله عليكم يا من تعتقدون هذا المعتقد كيف لكم أن تتعبدوا الله بشعائر خاوية لا حياة فيها ولا روح لها على حد زعمكم؟!
يقول بعض منتقدي الحملة «إن عصر الكتاتيب ولى واندثر، وما تلك الحملة إلا امتداد لذلك العصر.. فبضغطة زر تستطيع أن تسمع قراءة إلكترونية مباشرة» نقول لهم ماذا تعرفون عن «تاج» للحلقات الإلكترونية، و»أكاديمية تاج» لتحفيظ القرآن الكريم بجمعية الرياض وغيرها وغيرها؟
إن الحملة أفردت تقارير متكاملة على صفحات الجزيرة خلال شهر رمضان الماضي عن التطوير المنهجي للمقررات التي تدرس في التحفيظ على أيدي أكاديميين معتبرين وبرامج تقنية عالية الجودة.. كل ذلك كي يكون تعليم القرآن الكريم في سياق التعليم العصري الحديث. ومن يزر الجمعية أو يتصفح موقعها يدرك مدى تجاوبها مع مستجدات التقنية ومع الأساليب التربوية الفاعلة.
يواصل أحد المنتقدين حديثه اللاذع لتلك الحملة فيقول «إن تعليم القرآن الكريم وتحفيظه وتلاوته ليس من أولويات التنمية.. والتنمية إذا لم تأخذ بحساب خططها وضع الأولويات وتوفير حياة كريمة لإنسان الأرض فليست مطالبة بالقفز لإنسان السماء. فقارئ القرآن وحافظه لا قيمة له بلا بيت يؤويه، وبلا قيمة عصرية تناسب قدراته وكرامته» وهنا يستيقظ في أذهاننا سؤال بالغ الأهمية، وهو لماذا لم يؤخر محمد صلى الله عليه وسلم إستراتيجية تعليم القرآن وتفسيره وتحفيظه ومدارسته حتى يوفر بنية تحتية تضمن لكل صحابي منزلا يؤويه وبستانا يسترزق منه ومتجرا يبتاع فيه ثم بعد ذلك يعلمهم القرآن ويوضح لهم كيف يتعبدون الله به؟
أقول لمثل هذا المنتقد: اطمئن أخي ولا تقلق، فلن تحلق إلى إنسان السماء إذا لم يكن تعليم القرآن الكريم من أولويات حياتك، ولن تحلق إليه أبداً ما دمت تعتقد بأن تلاوته (التي نتعبد الله) شعيرة بها ميتة لا حياة فيها.