لقاء - منيف خضير
حينما بعثت إليه رسالة إلكترونية على موقعه على الإنترنت والذي خصصه بالكامل عن ذكرياته أثناء عمله في شركة التابلاين في المملكة (مديراً للعمليات) حينما بعثت له الرسالة رحب بها كثيراً، وأبدى استغرابه من أن أحداً ليس له أقارب في المحطة يهتم بهذه الذكريات! الهولندي جون ماكينجي، فني الاتصالات الذي قدم للمملكة قبل 58 عاماً، وساهم في تطور الاتصالات في شركة التابلاين، يتحدث عن ذكرياته الجميلة بعد أن قرر العودة مرة أخرى إلى المملكة بعد غياب دام 25 عاماً إثر توقف الضخ في محطات شركة التابلاين ثم تقاعده وعودته إلى بلاده، وقد زار خط الأنابيب بدءاً من المنطقة الشرقية ومروراً بالقيصومة ورفحاء وعرعر وطريف، وقد خصص موقعه على الإنترنت (http://www.la96bj.fsnet.co.uk/index.htm) http://www.la96bj.fsnet.co.uk/Qaisumah%20Rafha.htm)
لهذه الذكريات ولهذه الرحلة التي تحدث فيها عن شواهد التطور في المملكة فإلى البداية مع رحلته للمنطقة الشرقية:
زيارة المملكة في 2001
يقول جون ماكينجي:
كنت على وشك فقدان الأمل بزيارة المنطقة مرة أخرى حتى أتيحت لي فرصة أخرى غير متوقعة لزيارة المملكة العربية السعودية في يوليو 2001.
طرت أولا إلى البحرين حيث حضرت عرس ابنة أحد الأصدقاء في التاسع من يوليو. في اليوم التالي، اختار (كين ميرفي) الموظف في طيران أرامكو أن يقلني في سيارته البورش الصفراء وقاد (طار) بنا على جسر الملك فهد متوجهاً بنا إلى السعودية. الإجراءات الحدودية كانت بسيطة جداً والموظفون السعوديون كانوا ودودين للغاية.
ثم أخذنا كين في جولة في الظهران لنرى كيف أن الأمور تغيرت هناك. وكانت هذه التغيرات عميقة جداً، كما كانت في كل مكان ذهبت إليه.
ثلاثة أيام في الدمام
ويضيف ماكينجي قائلاً:
بعد ذلك سكنت في فندق الدمام وقمت بالاتصال بأحمد المهنا الذي عرض علي بكل لطف أن استخدم سيارته وأن يقلني في منطقة الجوار.أقمت في الدمام ثلاثة أيام وقابلت كلا من عطيب ومشهور مطلق وشامان.
أنا مدين جداً لكل من عطيب مطلق وأحمد المهنا وأشرف علي لجعل هذه الرحلة ممكنة على طول خط الأنابيب.
جميعهم استقبلوني وودعوني بحميمية، مع بعض الحزن وكان لابد أن أقول لهم وداعاً لاستكمال رحلتي على طول خط الأنابيب.
يوجد العديد من الصور في هذا الموقع التي وثقتها عن رحلتي ومجموعة من أصدقائي.
أهلاً بك في القيصومة ورفحاء
أما المحطة التالية فيتحدث عنها جون ماكينجي قائلاً:
وصل السائق الذي كان من المفترض أن يقلني في رحلتي طوال خط الأنابيب في صباح اليوم الثاني عشر وكان سائقاً لطيفاً وودوداً من الجنسية الهندية.
بعد أن استقللنا الطريق العام المؤدي للكويت وعلى بعد بضعة كيلومترات من واحة القطيف. ظهر خط الأنابيب على يسار الطريق ممتداً فوق الأرض وظهرت العلامات القديمة التي تشير إلى طريق الأنابيب القديم.
وبعد 15 كيلومترا مررنا ب(طوفية) محطة لمضخة كهربائية تابعة لأرامكو.
المعلم القادم هو المنعطف للنعيرية وهو المكان الذي توقفنا فيه للتزود بالوقود اعتدت أن أقود ذهاباً وإياباً من طريف إلى الظهران واعتدت على التزود بالوقود من هذه المحطة.
وبعد ذلك استكملنا طريقنا إلى القيصومة, لم يطرأ الكثير من التغيرات في تلك المنطقة.
كانت أرامكو قد أزالت مولدات (وريه) وقد قامت بالتنظيف بشكل جيد ولم يتبق إلا أطلال قواعد الأسمنت ولا شيء غير ذلك، أفضل بكثير من الطاقم والشركة التي أزالت مولدات وأنابيب التابلاين.
والملاحظ كذلك أن محطات الميكروويف قد انتشرت بشكل واسع وقد حلّت في أماكن مباني المولدات في السابق.
وصلنا القيصومة ولم يتغير بها أي شيء منذ الأيام الخوالي وتأخذ الكهرباء من حفر الباطن.
المحطة الصناعية لا تزال قائمة.
ولاحظت عند انطلاقنا إلى حفر الباطن أن بئر الماء التي كان أصحاب صهاريج المياه يقومون بتعبئة صهاريجهم منها لا تزال موجودة هناك.
حفر الباطن.. تلك المدينة الصغيرة التي أذكرها من بيوت الطين.. يبدو أنها اتسعت في جميع الاتجاهات حتى وصلت جنوباً إلى مدينة الملك خالد العسكرية.
إلى رفحاء
وصلنا إلى رفحا قبيل الغروب وذهبنا للبحث عن فندق وكان السائق ينوي الإقامة في مجمع المهنا لولا أنني ألقيت نظرة على فندق صغير على مقربة من بوابة التابلاين ويسمى هذا الفندق (علي بابا) ومن محاسن الصدف أن مالكه كان يعمل في مكتب أرامكو السابق ويدعى (محمد القبلان).
وفي الصباح الباكر من يوم غد أتاني السيد محمد القبلان وأخذ بي جولة حول رفحاء وعند خروجي من الباب الأمامي رأيت مساحة خضراء ذكرتني ب(جون ارنولد) الذي كان أول من نظّم أول جزء من دورة الجولف في المملكة العربية السعودية.
قمنا بالتمشية في وسط رفحاء وكانت طرقها قد اتسعت وأصبحت ممهدة بصورة أجمل وأروع.. وقمنا كذلك بمقابلة اثنين من الموظفين السابقين.
رفحاء بصورة عامة كانت متطورة وأبهرتني.
ويتحدث جون عن محطة رفحاء بعد أن تحولت إلى أطلال حيث يقول:
وصلنا بعد قليل عبداللطيف الرويلي وهو أحد موظفي المحطة وكان يحمل مفاتيح المحطة وقمنا بأخذ جولة داخل المحطة ابتداءً من السكن الذي لا يزال قائماً، وكانت محطة رفحا فخورة بإنشاء أول ملعب جولف أخضر الذي أنشأه جون ارنولد وساعده أبناؤه في فترات زيارتهم وبقية سكان المحطة.
في المحطة لم يتبق إلا الأطلال بقايا للبيوت والمضخات والملاعب والمولدات الكهربائية. كل ما تبقى مما تدب فيه الحياة هو عدد ضخم من الحمام.. الذي احضر منه السيد القبلان حمامتين وبيضة وقال إنه سيهديهم لأحد أبنائه.
أمضينا وقتاً جميلاً وكافياً للنظر إلى المحطة. وحان الوقت لمواصلة رحلتي إلى بدنة (عرعر حالياً).
الرحلة إلى بدنة لم يكن بها الكثير من الأحداث، غير أن الطريق كان به الكثير من التحويلات وكان الكثير من أجزاء الطريق قد تم تطويرها والعمل على إصلاحها لتكون طريقا سريعا بمسارين مفصولين عن بعضهما بعضا. وكانوا يعملون على تعبيد الطريق في بداية 1962.
وكان هناك أبراج للميكروويف التابعة لأرامكو وقد لفت انتباهي برجين يعود أحدهما للاتصالات والآخر لا اعلم ما غرض استعماله وكذلك يوجد العديد من أسلاك الفايبر المدفونة لشركة الاتصالات الأرضية..وعرفت أنه فيما بعد أن هذا الطريق كله مغطى بشبكة الجوال وقد شملته تطورات ونهضة الاتصالات.
كما أنه ظهر الكثير من القرى الجديدة التي لم تكن موجودة في سابق العهد, وكيف أيضاً أن التطور شمل الإضاءة فأصبحت الإضاءة في الكثير من القرى والمدن والطرق السريعة.
توقفنا في مدينة العويقيلة، والمحطة لا تختلف عن غيرها من المحطات، المدينة متطورة نوعاً ما ولكنه تطور بطيء جداً .
محطة بدنة كانت لا تزال قائمة وكانت بمثابة محطة الصيانة لكل المحطات. تم التعارف بيني وبين القائم بأعمال المحطة آنذاك وكان مهندساً للإلكترونيات.
قمنا بجولة على المكان وكان كل شيء في مكانه ولم يكن هناك تغيير يذكر عدا أنه تم بناء مسجد صغير. وكانت بئر المياه الصغيرة قد تمت استثمارها وتطويرها فأصبحت بئراً كبيرة.
وبما أنني سأغادر بعد غياب الشمس عرض علي صديقي أن نقوم بجولة في المنطقة، فقمنا بالمرور على منطقة حزم الجلاميد ولم يكن هناك أي تغيير يذكر سوى زيادة بعض محطات التزود بالوقود على الطريق إلى حزم الجلاميد.
أما محطة توقفنا التالية كانت في حزم الجلاميد وكانت كالشعبة والعويقيلة بقايا محطات ومضخات أكل عليها الدهر وشرب.
في آخر ليلة من إقامتي أقام بعض الأصدقاء حفلة عشاء على المسبح وقام بدعوة بعض الأصدقاء القدامى من طريف.
حضر مأدبة العشاء قرابة الـ 25 شخصا وتجاذبنا أطراف الحديث واستمتعنا بالأكل الشهي وفي تمام العاشرة مساءً شكرناهم على كرم الضيافة وودعنا الجميع وغادرنا إلى محطتنا التالية وهي طريف.
محطة طريف
يواصل ماكينجي رحلته فيقول: وصلنا إلى طريف وذهبت للإقامة في فندق المدوح الذي يقع بالقرب من محطة طريف وكذلك يقع على طريق القريات ويعج بالسكان القادمين من لبنان والأردن وسوريا وفي أسفل الفندق يقع مطعم يمتلكه ضيف الله الرويلي ومحطة إسعاف وفرع لبنك الرياض. في صبيحة اليوم التالي مر بي ضيف الله الرويلي وتناولنا طعام الإفطار في مطعمه الذي يقع أسفل الفندق وقام بإعطائي سيارة استخدمها متى شئت. قمنا بالمرور على المحطة ولم يتغير الكثير من الأشياء، فالمعدات والغرف على ما كانت عليه والمناطق المجاورة كما هي, بعد ذلك مررنا ببقايا منطقة الإسكان وقام ضيف الله بإعطائي بعض الصور التي التقطها هو بنفسه قبل أن يتم هدم المنطقة.
وفي المساء عندما أخذ الكل قيلولتهم قدت السيارة على الطريق المؤدي للقريات ورأيت الكثير من محطات الوقود على يمين ويسار الطريق وتأملت المنطقة التي كنا نصطاد فيها الغزلان وكيف أن الغزلان لم تعد موجودة في المكان ذاته.
وبعد ذلك مر بي ضيف الله وقمنا بالتجول على مناطق المضخات وخطوط الأنابيب.
في ضيافة محافظ طريف وعند عودتي إلى الفندق وجدت كمال حران في انتظاري فقد قررنا أن نزور أمير طريف فارس نجر العتيبي وكان سعيداً لزيارتي وعودتي للمنطقة.
ولم يتركني فارس بن نجر حتى وعدته بالعودة إلى طريف لزيارتهم لاحقاً.
وفي اليوم التالي قمنا بجولة في المدينة وزرنا محلات بعض الأصدقاء القدامى.
كان عشاء تلك الليلة ناجحاً بكل المقاييس فقد شاركنا صديقين قادمين من عرعر.
اليوم التالي كان يوم مغادرتي إلى عمّان في العاشرة صباحاً وقد جاء كل من كمال حران وعلي فرحان وضيف الله والعديد من الموظفين السابقين لتوديعي وكانت لحظات عاطفية جداً ليس فقط لأنني سأغادر بل هو ذلك الشعور بالانتماء إلى عائلة كبيرة من مختلف الدول.
غادرت إلى عمان، وتذكرت حينها الشعار الذي نراه عند مغادرة بنسلفينيا (لديك أصدقاء في بنسلفينيا) ورددت في نفسي (لديك أصدقاء في السعودية).
رسالة جون ل(الجزيرة)
أهلاً منيف
شكراً لإرسالك هذه الرسالة التي أسعدتني، والذي أسعدني أكثر هو معرفتي أن ما كتبته في موقعي ولكن الشيء الذي لم أستطع فهمه.. هو رغبتك في نشره في جريدة، والشيء الآخر هو ما الذي سيجعل أهل الشمال مهتمين فيما كتب في موقعي غير أولئك الذين عملوا في أرامكو أو أبنائهم وأقاربهم والذين قد يهتمون بمثل هذه المعلومات ولا أخفي عليك أنهم كانوا دافعاً لي لكتابة تلك المعلومات في موقع في الشبكة الإلكترونية.
خمسة وعشرين عاماً مضت على إغلاق مضخات طريف, رفحاء والقيصومة ومنذ أن مر بها آخر المارين من البشر.
ثلاثة فقط من الموظفين الأمريكيين الذين تزامن عملهم في فترة واحدة في رفحاء لا يزالون أحياء وهم هاورد جونسون,إد اولسن, تشوك هارد وك.
أيضاً هناك دون وك لا يزال على قيد الحياة ولكنه كان يعمل في طريف وليس في رفحاء.
ولا يزال من الأحياء من الموظفين الأوروبيين كل من توني وجي نس فيرهوفن. جينس قد يكون هو الأشهر في رفحاء لأنه هو من بدأ بتأسيس فريق كرة القدم الذي كان مشهوراً في تلك الفترة.
أيضاً أندري راد وهاري هويكزرما وأنا ما زلنا أحياء ويكون عددنا في المحصلة 5 أحياء.
ومن الموظفين البريطانيين فقط جون هندلي لا يزال على قيد الحياة.
ما تبقى منا فقط هذه المجموعة الصغيرة.
وإذا أردت استخدام الصور والمقالات والمعلومات للنشر أنا أسمح لك بذلك ولكن يجب أن تعدني بأن تخبر القراء التالي؟
نحن الموظفين القدامى لا نزال نجتمع في بعض المناسبات ولا نزال نتحدث في اجتماعاتنا عن سنواتنا الماضية في التابلاين وأصدقائنا السعوديين ولحظاتنا وأيامنا التي عشناها.
ومن خلالك أود إخبار الأصدقاء القدامى أننا لم ولن ننساهم ولن ننسى صداقتهم ولا تلك اللحظات التي عشناها معاً وأود أن تخبرهم أنهم سيبقون بالذاكرة إلى الأبد.
وشكراً لك