الجزيرة- عبدالعزيز العنقري
بدأت المملكة أولى محاولات استكشاف النفط في ثلاثينيات القرن الماضي، أثمرت في العام 1938م عن اكتشاف النفط بكميات تجارية لأول مرة عبر الحقل رقم 7 في الدمام.
وفي مايو 1939 تم تصدير أول شحنة نفط سعودية إلى الأسواق العالمية من ميناء رأس التنورة في احتفال حضره جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. لتتوالى بعدها المزيد من الاكتشافات، التي تجاوزت اليوم 110 حقول وأكثر من 1500 بئر تتوزع في المنطقة الشرقية وفي الأجزاء الوسطى من المملكة، وقد أتت معظم هذه الاكتشافات على شكل نفط والباقي إما نفط مع غاز أو غاز فقط.
و تعتبر المملكة اليوم الدولة الرائدة عالميا في مجال صناعة النفط من حيث الإحتياطيات والإنتاج والصادرات والطاقة التكريرية. فالمملكة تمتلك ربع احتياطي العالم من النفط، و حوالي 10 في المائة من الإنتاج العالمي، وأكثر من 11 في المائة من مبيعات النفط في الأسواق الدولية، وطاقة تكرير محلية تبلغ 2.1 مليون وخارجيا تبلغ مليوني برميل يوميا. و تقدر الإحتياطيات المؤكدة للمملكة بنحو 260 مليار برميل. إضافة لإحتياطيات محتملة أو ممكنة تقدر بـ 100 مليار برميل. و إنتاج يومي يفوق ( 8) مليون برميل يوميا. مع قدرتها على زيادة طاقتها الإنتاجية إلى أكثر من ( 12) مليون برميل في اليوم.
وتتبع المملكة سياسة بترولية تتماشى مع نهج حكومتها المعتدل والمتوازن والذي يراعي مصالح جميع الأطراف المعنية، ويوازن بين الحاضر والمستقبل؛ فالمملكة و بالتعاون مع منظمة أوبك تسعى إلى تجنيب السوق النفطية التقلبات الشديدة عبر الحفاظ على الأسعار عند مستويات تخدم مصالح الدول المنتجة والمستهلكة من خلال تزويد السوق العالمي بكميات كافية من النفط الخام، والتي لا تؤدي في الوقت نفسه لزيادة في المعروض الذي قد يسبب هبوط الأسعار.
وهذا التوازن والاعتدال ساهم بشكل فعال في نمو الاقتصاد العالمي، ولا سيما في البلدان النامية، كما حقق عائدات كافية لصناعة النفط العالمية حتى تتمكن من الاستثمار في مجال استكشاف وإنتاج النفط من أجل تلبية الطلب العالمي المتنامي. كما أن السياسة النفطية السعودية راعت جانبا رئيسيا هاما تمثل في إقامة تعاون وثيق مع البلدان المنتجة للنفط والمستهلكة. حيث تقوم المملكة على سبيل المثال بتنسيق السياسات النفطية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والتعاون الوثيق والمنتظم مع دول أخرى مثل روسيا والنرويج والمكسيك، وغيرها من البلدان المنتجة للنفط، فالمملكة تنتهج علاقات وثيقة مع معظم دول العالم من خلال الزيارات الرسمية، والتجارة، والاستثمارات، وتبادل المعلومات والآراء، وتنسيق السياسات، والمملكة سعت وتسعى للتعاون والسلام والتنمية الاقتصادية والرخاء لجميع دول العالم من خلال تحقيق الاستقرار في سوق النفط الدولية وعبر إيجاد التوازن بين العرض والطلب معتمدة على احتياطياتها الضخمة و طاقتها الإنتاجية والاحتياطية العالية، التي مكنت المملكة من تلبية الطلب العالمي في كل الأوقات والظروف.
المملكة ودورها الفاعل في المنظمات البترولية الإقليمية والدولية:
تعد المملكة اليوم طرفا أساسيا في العديد من منظمات البترول ومحافل الطاقة الدولية، فمنذ البداية استشعرت المملكة بأهمية التعاون والتنسيق بين الدول المنتجة للبترول، فكانت السباقة في الدعوة لتأسيس منظمة أوبك في العام 1960 والتي بدأت بخمس دول وأصبحت اليوم تضم في عضويتها 12 دولة تنتمي لعدة قارات. وتلعب أوبك اليوم دورا هاما في ضمان استقرار السوق النفطية من خلال آلية تنتهجها لإبقاء سعر النفط في نطاق محدد. يرضي الدول المنتجة والمستهلكة ويعزز نمو الاقتصاد العالمي.
وفي العالم العربي، كانت المملكة أيضا العضو المؤسس لمنظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) التي تم تأسيسها 1968، بمبادرة من ثلاث دول هي (المملكة العربية السعودية والكويت وليبيا ) ومنذ قيامها ارتفع عدد أعضائها من ثلاث دول إلى إحدى عشرة دولة.
وتهدف أوابك إلى التعاون فيما بينها، وتوحيد جهودها، لتحقيق أفضل السبل لتطوير الصناعة البترولية في شتى مجالاتها، وللإفادة من مواردها وإمكاناتها لإقامة المشاريع المشتركة، وخلق صناعة بترولية متكاملة، عن طريق التكامل الاقتصادي العربي المنشود، وتلعب المملكة دورا نشطا في إطار( منتدى الطاقة الدولي) الذي يضم أكثر من 60 دولة منتجة ومستهلكة للنفط وإضافة للمنظمات البترولية المختلفة. ويعتبر هذا المنتدى نتاجا لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الذي سعى من خلاله لتعزيز الحوار بين منتجي ومستهلكي الطاقة، وزيادة الشفافية في البيانات والمعلومات المتعلقة بالطاقة وتوسيع نطاقها للمحافظة على استقرار الأسعار؛ حيث انعقد الاجتماع المبدئي الأول في باريس في العام 1991 تلته اجتماعات انعقدت مرة كل عامين، كان أهمها الدورة التي استضافتها المملكة عام 2000، عندما فاجأ خادم الحرمين الشريفين المؤتمرين باقتراح تأسيس أمانة عامة لما عُرف فيما بعد بمنتدى الطاقة الدولي، مبدياً استعداد المملكة لاستضافته مع ما يتطلبه ذلك من تكاليف. وقد لقي هذا الاقتراح قبولا عالميا كبيرا, حيث أقر منتدى الطاقة الدولي الثامن في مدينة اوساكا في اليابان في سبتمبر عام 2002م مقترح خادم الحرمين الشريفين بإنشاء أمانة عامة لمنتدى الطاقة يكون مقرها الرياض, وافتتح خادم الحرمين الشريفين المقر في شهر نوفمبر 2005م بحضور عدد كبير من وزراء الطاقة ورؤساء الوفود المشاركة في منتدى الطاقة الدولي. ليصبح البوتقة التي تجمع الدول المنتجة والمستهلكة للنفط والغاز في حوار بناء بعد أن كانوا على طرفي نقيض.
ويشارك في المنتدى كبرى شركات الطاقة مثل شيفرون واكسون موبيل، ميتسوبيشي، نيبون اويل، أرامكو السعودية، وشركة شل كما ويشارك أهم المنظمات الدولية كأوبك و المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس)، مجلس الطاقة العالمي، والبنك الدولي، والمدير العام للطاقة في المفوضية الأوروبية.
و منتدى الطاقة الدولي وبعد مرور حوالي عشرين عاما على انطلاقه وبدعم مستمر من المملكة استطاع أن يوجد حوارا بناء بين المنتجين والمستهلكين مما يعطيه أهمية من حيث سن القوانين والسياسات وإحداث قوانين أخرى جديدة في المستقبل لتعزيز أمن الطاقة؛ فأهمية منتدى الطاقة الدولي تأتي من أنه لم يكن يوجد في السابق لقاء يجمع الدول المصدرة للبترول مع المستهلكين.. فجاء المنتدى ليكون صلة ربط وتنسيق للآراء والحوار مع خلق شفافية معلوماتية تتيح للجميع التفاهم وتحقيق أفضل مستوى في أمن الطاقة عبر التخطيط وتعزيز الاستثمار والنمو فيها.
ولاشك أن التذبذبات الحادة التي شهدتها أسعار البترول في العام 2008 حيث ارتفعت إلى مستويات قاربت 147 دولار ثم انخفضت إلى 32 دولارا ما انعكس بالضرر على الاقتصاد العالمي وبخاصة اقتصاديات الدول الأقل نمواً وهو ما دفع كافة الدول المنتجة والمستهلكة إلى الاقتناع بأهمية منتدى الطاقة الدولي لما يوفره من مساحة هامة للحوار والنقاش الذي يهدف لتحقيق الاستقرار في سوق البترول العالمية بما فيه مصلحة الجميع. وهذا بلا شك سيؤدي مستقبلا إلى تعزيز دور الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي وأنشطتها وعملها بشكل يساوي ويماثل ما تقوم به كل من منظمة أوبك والوكالة الدولية للطاقة.
علاقة المملكة البناءة و الفاعلة مع الدول المستهلكة للنفط:
تحتفظ المملكة بعلاقات وثيقة مع الدول المستهلكة من خلال التعاون المشترك على جميع المستويات مع معظم الدول الكبرى المستهلكة للنفط مثل الولايات المتحدة واليابان والاتحاد الأوروبي وكوريا والصين والهند، كما وترتبط المملكة بعلاقات وثيقة مع منظمات الطاقة الدولية مثل (الوكالة الدولية للطاقة)، التي تضم في عضويتها الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للطاقة.
إن المملكة العربية السعودية تؤمن وتسعى إلى تحقيق التعاون المستمر الذي يهيئ بيئة بناءة للحوار بهدف تحقيق الاستقرار في أسواق النفط العالمية، وتسليط الضوء على أهمية النفط وتمكين المملكة من أداء دورها كمصدر موثوق من الطاقة يمكن أن يعتمد عليه العالم لتحقيق الازدهار والنمو الاقتصادي.
المملكة والريادة في الصناعات البتروكيماوية:
يساهم اليوم قطاع الصناعات البتروكيماية بحوالي 5% من إجمالي الناتج المحلي في المملكة.
وكانت البداية الحقيقية للصناعات البتروكيماوية السعودية عندما قامت الهيئة الملكية للجبيل وينبع في أواخر سبعينات القرن الماضي على تطوير الجبيل وينبع من قريتين صغيرتين لصيد الأسماك إلى مدينتين صناعيتين حديثتين تضمان أحدث تجهيزات البنية الأساسية للصناعات البتروكيماوية. ومنذ ذلك الحين لم تتوقف مسيرة النمو. فبعد أن كان إنتاج المواد البتروكيماية في المملكة لا يتجاوز 7 ملايين طن متري في 1985 ؛ فقد وصل في العام 2009 إلى 60 مليون طن وهو ما يمثل 62% من إنتاج دول مجلس التعاون و حوالي 8% من الإنتاج العالمي.
وتصنف اليوم شركة سابك باعتبارها من اكبر الشركات العالمية في الصناعات البتروكيماية كما ويعد مشروع بترورابغ، أكبر مجمع متكامل للتكرير والبتروكيماويات يتم بناؤه دفعة واحدة في العالم. والذي بلغت تكلفة إنتاجه10 بلايين دولار، وسيكون قادرا على إنتاج ما يزيد عن 18 مليون طن من المنتجات البترولية سنويًا، إلى جانب إنتاج حوالي مليونين ونصف طن سنويًا من مشتقات الإيثيلين والبروبيلين. والمملكة اليوم تعتبر أكبر منتج في العالم لمادة الميثانول وثاني أكبر منتج في العالم لمادة الإيثيلين.
ويتوقع بحلول العام 2015 أن يرتفع إجمالي إنتاج المملكة من الكيماويات الأساسية إلى أكثر من 80 مليون طن في العام ما يجعلها منتجة لأكثر من 10% من الإنتاج العالمي. لتكون بذلك المركز العالمي للصناعات البتروكيماوية. و ترتبط ريادة المملكة في مجال الصناعات الكيميائية ارتباطًا وثيقاً برؤيتها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بعيدًا عن المنتجات المادية. فقد قامت المملكة في شهر سبتمبر من العام الماضي بتدشين مؤسسة بحثية جديدة للدراسات العليا، هي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. التي ستؤدي إلى تسريع الجهود المستمرة في مجال التعليم العالي والتدريب لدعم فرص العمل والتنمية والاقتصادية كما ونوعا في المملكة. وتسعى المملكة في الأعوام القادمة إلى زيادة كميات وتنويع صناعاتها البتروكيميائية وتحويلها إلى منتجات أكثر تطورًا وتميزًا مثل الكيماويات المتخصصة واللدائن الحرارية الهندسية. إن مستقبل الصناعات البتروكيميائية في المملكة يرتكز على إستراتيجية الربط بين قطاع التكرير والصناعات الكيماوية داخل المملكة وخارجها.وعلى تشجيع الاستثمار الخاص في قطاع المواد الكيماوية من أجل تعزيز مكانتها الرائدة عالمياً في مجال الكيماويات.
خطط طموحة في قطاع التكرير:
تبلغ طاقة التكرير المحلية في المملكة اليوم 2.1 مليون برميل يوميا، كما أن لأرامكو حصة في طاقة تكرير خارجية تبلغ حوالي (2) مليون برميل يوميا. وستقوم المملكة باستثمارات ضخمة في قطاع التكرير بقيمة 70 مليار لتضاعف طاقتها التكريرية في الداخل والخارج بحلول عام 2015 من خلال تطوير ثلاث مصاف جديدة في الجبيل وينبع وجازان بالإضافة إلى توسعة مصفاة بورت آرثر في الولايات المتحدة. بحيث تصبح طاقة التكرير المحلية أكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا، و طاقة التكرير الخارجية حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا. وذلك بهدف تلبية الطلب المتنامي.
الغاز.. ارتفاع مستمر في الطلب والاحتياطيات:
تقدر احتياطيات المملكة من الغاز القابل للاستخراج المرافق وغير المرافق ب( 275.2) تريليون قدم مكعبة قياسية بحسب إحصائيات 2009. وفي ابريل الماضي توقع المهندس خالد الفالح الرئيس التنفيذي لشركة ارامكو، أن ترتفع طاقة المملكة الإنتاجية من الغاز من مستوياتها الحالية البالغة 10.2 مليار قدم مكعبة يوميا إلى 15.5 مليار قدم مكعبة يوميا بحلول عام 2015 مع بدء الإنتاج الجديد من حقلي الخرسانية وكاران ومحطة واسط لإنتاج الغاز. فبعد تحقيق المملكة للمستوى المستهدف للطاقة الإنتاجية للنفط الخام البالغ 12.5 مليون برميل يوميا في يونيو 2009 فإن المملكة تسعى لزيادة إنتاجها من الغاز والطاقة المعالجة بحلول 2015 بزيادة 50% عن مستواها الحالي». أما مبيعات المملكة من الغاز فسترتفع من سبعة مليارات قدم مكعب يوميا إلى 9.3 مليارات، وتخطط السعودية لبناء أكبر محطة على الإطلاق لمعالجة الغاز في المملكة ومن المتوقع أن تعالج أكثر من 1.8 مليار قدم مكعب يوميا من الغاز.
وزاد الطلب المحلي على الغاز زيادة كبيرة في السنوات الأخيرة من قطاع الصناعة والكهرباء بسبب الطفرة الاقتصادية التي تعيشها المملكة حاليا.
المملكة وحرصها على حماية البيئة:
تعمل المملكة على إيجاد بيئة نظيفة, فالمملكة باعتبارها مصدرا موثوقا للطاقة النفطية فهي بالوقت نفسه، تعتمد لوائح تنظيمية فعالة لحماية البيئة والحفاظ عليها.. ومن أهم الانجازات التي حققتها المملكة في حماية البيئة هي المبادرة لجمع ومعالجة الغاز المصاحب، الذي عاد بنفع كبير على البيئة والاقتصاد. وعلاوة على ذلك، فان المملكة تقوم بتوفير منتجات بترولية مطابقة للمعايير البيئية، بما في ذلك إنتاج البنزين الخالي من الرصاص والديزل منخفض الكبريت.
وكانت المملكة قد أعلنت هذا العام عن إنشاء مصنع لتحلية مياه البحر بواسطة الطاقة الشمسية. كما أعلنت عن مشاريع تجريبية في الطاقة الشمسية والرياح وتحلية المياه والوقود الحيوي, وتسعى المملكة إلى إنتاج الطاقة الشمسية واستهلاكها وتصديرها. وستباشر أرامكو في 2012 بمشروع يعد رائدا في مجال الحد من انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب لظاهرة الانحباس الحراري.
وعلى الصعيد الدولي، تشارك المملكة العالم في القضايا البيئية والإنمائية لحماية الأرض ومواردها الطبيعية. حيث تعمل بنشاط في المفاوضات الدولية المعلقة بالتغير المناخي، كاتفاقية الأمم المتحدة المعلقة بتغير المناخ، بروتوكول كيوتو. وفي هذا الإطار ،تدعو المملكة وتحرص على التزام عالمي متوازن يدعم النمو والتنمية، وحماية البيئة، وفي الوقت نفسه، لا يؤثر سلبا على حرية تجارة النفط.
المصادر
1- وزارة البترول والثروة المعدنية السعودية
2- شركة ارامكو
3- شركة سابك
4- منظمة أوبك
5- منظمة أوابك