الجزيرة - عمراللحيان
في اليوم الأول للميزان من كل عام نحتفل جميعا بذكرى غالية تعد تتويجا لملحمة بطولية تميزت بالكفاح والجهاد؛ فارسها وقائدها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود- طيب الله ثراه- لاستعادة ملك الآباء والأجداد، وتوجت بتأسيس و قيام المملكة العربية السعودية كدولة تستظل براية التوحيد وتستمد نهجها في كل شؤونها من الشريعة الإسلامية الغراء وكان الملك عبدالعزيز قد ولد في مدينة الرياض في التاسع عشر من شهر ذي الحجة عام 1293هـ - 1876م وتعلم القراءة والكتابة على يد عدد من المشايخ، وكان-يرحمه الله- منذ صباه مولعاً بالفروسية وركوب الخيل، وعرف بشجاعته وجرأته وإقدامه وخلقه القويم وإرادته الصلبة، وقد رافق والده في رحلته إلى البادية بعد الرحيل من الرياض، وتأثر-رحمه الله- بحياة التنقل خاصة فيما يتعلق بالجدية وصلابة العود وقوة التحمل.
لقد كان الملك عبد العزيز-يرحمه الله- يتصف بصفات فذة، ويمكن إيجازها في هذه الإشارات:
يملك خبرة واسعة بشؤون دينه، فقد حفظ القرآن الكريم وكثيراً من الأحاديث النبوية الشريفة، وألم إلماماً واسعاً بالأحكام الشرعية، ووضعها موضع التطبيق، وظل طوال حياته يجتمع كل ليلة مع العلماء والفقهاء.
وكان حكيماً يُعمل عقله في كل حركة من حركاته، ولكل خطوة عنده حساب دقيق، يقلب الأمور على وجوهها ثم يختار الطريق الذي يراه أفضل الطرق.
وكان شجاعاً إلى درجة كبيرة، فلا يتردد في خوض المعارك إذا اضطر لها مهما كانت قوة خصمه وعدده وعدته. كان قائداً عسكرياً موهوباً يجيد رسم الخطط الحربية وتنفيذها، وكثيراً ما استعاد وقائع معركة جرت وتحقق له الانتصار فيها ليبين أخطاء خصمه وما كان يجب أن يفعل لينتصر عليه. كان خبيراً بالمجتمعات البدوية والحضرية في شبه الجزيرة العربية، وعلى خبرة واسعة بالقبائل وأنسابها بحيث يعرف قبيلة مخاطبه من أول جملة ينطق بها، ومن موقع هذه الخبرة كان يتعامل مع الناس حسب المجتمع الذي ينتسبون إليه بدوياً كان أم حضرياً. كان شديد التمسك بأحكام الدين، فلا يتهاون إزاءها ولا يهادن، وإضافة إلى ذلك كان رقيق القلب مرهف الإحساس. كان اهتمامه يشمل الجميع، والناس أمامه سواسية حتى يبلغ الحق مستقره.
الملك عبدالعزيز
وملحمة التأسيس
عندما حل الأمير عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بالكويت كان عبدالعزيز الابن في الثانية عشرة من عمره، وقد بقي في الكويت مع والده وأسرته مدة عشر سنوات، درس خلالها القرآن الكريم وخبر الأمور السياسية وإدارة المعارك.
ساهم ذكاء وفطنة الملك عبدالعزيز في استعادة ملك الآباء والأجداد وهو الأمر الذي كان يشغل تفكيره كثيرا وقد جاءت المحاولة الأولى لاستعادة عاصمة الآباء والأجداد (الرياض) في عام 1318هـ (1901م) عندما تحرك الشيخ مبارك الصباح على رأس جيش كبير ومعه الإمام عبدالرحمن لمحاربة ابن رشيد، وعندما وصل الجيش إلى (الشوكي) في الدهناء استغل عبدالعزيز هذه الفرصة واستطاع إقناع والده والشيخ مبارك بأن يذهب على رأس سرية من رجاله لفتح الرياض، وبذلك يضطّر ابن رشيد إلى أن يقاتل بجيشه على جبهتين مختلفتين مما يضعف صفوفه ويزيد من فرص الانتصار عليه، فأذنا له بالسير إلى هناك فقطع المسافة ما بين الشوكي والرياض في يومين، فعلمت حامية ابن رشيد بالأمر وخرجت للتصدي له بقيادة عامل ابن رشيد على الرياض (عبدالرحمن بن ضبعان) فقاتلها عبدالعزيز وهزمها ودخل المدينة، ثم لجأت الحامية إلى داخل القصر (المصمك) وتحصّنت فيه فحاصرها عبدالعزيز وباشر في حفر نفق إلى داخل القصر وفي الجهة الأخرى دارت الحرب الطاحنة بين ابن رشيد والشيخ مبارك في مكان يسمى (الصريف) في القصيم على مقربة من الطرفية في 17 ذي الحجة سنة 1318هـ الموافق 7 أيار (مارس) 1901م، كان النصر فيها من نصيب ابن رشيد وقواته فعاد الشيخ مبارك إلى الكويت ومعه الإمام عبدالرحمن الذي أرسل إلى ولده عبدالعزيز يحذره ويطلب منه ترك محاصرة الرياض والعودة بمن معه إلى الكويت خوفا عليهم من قوات ابن رشيد بعد نشوة هذا الانتصار، فاستجاب الابن لطلب والده وكان رأيا صائبا من الاثنين فالرأي والحكمة قبل الشجاعة.
ولكن الفارس عبدالعزيز لم تطل إقامته في الكويت هذه المرة بعد أن ذاق حلاوة النصر وكاد أن يصل إلى هدفه، فاستأذن والده لتكرار المحاولة، ووافق بعد إلحاح شديد من الفارس عبدالعزيز وقد توجه المظفر عبدالعزيز ومعه 60 رجلا من الأبطال الأشاوس من الكويت في الواحد والعشرين من شهر رمضان سنة 1319هـ ووجهته الرياض وواصلوا المسير يسيرون ليلا ويستريحون نهارا حتى وصل إلى مورد (أبو جفان) يوم عيد الفطر، وفي 4 شوال الموافق الثالث عشر من كانون ثاني (يناير) سنة 1902م وصل إلى (ضلع الشقيب) الذي يبعد عن الرياض ساعة ونصف للراجل، وكانت الساعة الثالثة بالتوقيت العربي (التاسعة ليلا زوالية ووضع عبدالعزيز خطة محكمة للاستيلاء على الرياض. فقسم رجاله إلى ثلاث مجموعات. الأولى مكونة من 20 رجلا، ترابط عند الإبل حتى الصباح، وتكون احتياطياً، خارج الرياض. وأمرها بالبقاء في مكانها، فإذا مضت 24ساعة، ولم يصلها خبر من الأمير عبدالعزيز، فعلى أفرادها أن ينجوا بأنفسهم، إذ قد يكون عبدالعزيز وأتباعه قد قتلوا. وإذا تحقق لهم النصر، واستولوا على البلدة، فسيأتيهم رسول منه، يلوح لهم بثوبه، إشارة لهم، يعرفونها، للحاق به.
أما المجموعة الثانية، المكونة من 30 رجلاً، بقيادة أخيه، محمد بن عبدالرحمن، فعليها أن تختبئ في إحدى المزارع، خارج أسوار الرياض، حتى تصلها الأوامر من عبدالعزيز، ومهمتها حماية ظهور المجموعة الثالثة. أما الثالثة، وقوامها 10 رجال، يقودهم البطل عبدالعزيز. فتدخل الرياض. وقد كان لقلة أفراد المجموعة، التي كانت بقيادة عبدالعزيز أثرها في سهولة دخول المدينة، في ظلام الليل.
موعد مع الانتصار والفرح
تمكن البطل عبدالعزيز ومجموعته، أن يدخلوا بيتاً مجاوراً لبيت عجلان ،حيث تسلق عبدالعزيز ورفاقه إلى بيت عجلان، ولكنهم لم يجدوه فيه. وأخبرتهم زوجته أنه نائم في قصر المصمك، عند رجال حامية ابن رشيد، وأنه لا يأتي من ذلك القصر إلى بيته، إلا بعد طلوع الشمس، وذلك لعدم اطمئنانه إلى الأوضاع المحيطة به. فانتظر الجميع خروج عجلان من قصر المصمك. وفي هذه الأثناء، أرسل عبدالعزيز إلى أخيه، محمد ورفاقه، الذين بقوا خارج السور، فانضموا إليهم وتكاملوا داخل بيت عجلان.
فلما خرج عجلان بن محمد من قصر المصمك، بعد شروق الشمس، ومعه عدة رجال، أطلق عليه عبدالعزيز النار من بندقيته، فلم يقتله. ثم تتابع الرصاص من الباقين، صائحين صيحة، ملأت البلد: (أهل العوجا.. أهل العوجا) وتعقبوا عجلان ورجاله. وتمكن عبدالعزيز من إمساك رِجل عجلان، وهو يحاول العودة إلى القصر، وقد أدخل يديه ورأسه في فتحة باب القصر (الجوخة)، وقد تمكن من الإفلات من يديه. فازدحم عبدالعزيز ورفاقه، عند باب القصر، والحامية تصب رصاصها عليهم. ودخل عبدالله بن جلوي القصر، في أثر عجلان، فأدركه جريحاً في مسجد القصر، فأجهز عليه برصاصة من بندقيته. وقُتل عدد من أتباعه. وتتابع رجال عبدالعزيز في دخول القصر، فاضطر باقي رجال الحماية إلى الاستسلام. ونودي، في الرياض، أن الحكم لله، ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن بن سعود.
وبعد انتهاء معركة القصر ذهب فهد بن جلوي، على جواد من خيل عجلان، إلى الرجال، الذين أبقوهم عند الرواحل، وأدخلهم البلدة.
وبذلك خطا الملك عبدالعزيز خطوته الأولى، لاستعادة حكم آبائه وأجداده، ومن ثم توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية. وفي ذلك التاريخ، 5 من شوال سنة 1319هـ-15 من يناير سنة 1902م، بدأت الدولة السعودية الثالثة.
واندفع سكان الرياض إلى مبايعة حاكمهم الجديد، الذي أعاد الحق إلى أصحابه. ولم ينس الابن أباه، فأرسل عبدالعزيز رفيقه، ناصر بن سعود، ليبشر الإمام عبدالرحمن، والشيخ مباركاً، في الكويت، بفتح الرياض، ويطلب المدد. وفي الوقت نفسه، شرع يحصن الرياض. وتمكن، بمساعدة أهلها، من بناء سور حصين للعاصمة استغرق العمل فيه40 يوماً، بعد أن كان هدمه ابن رشيد، على أثر وقعة حريملاء، عام 1308هـ. وأمده والده والشيخ مبارك الصباح، بسبعين رجلاً وذخيرة، تحت قيادة أخيه، سعد بن عبدالرحمن الفيصل.
وكان الأمير عبدالعزيز بن متعب بن رشيد، في تلك الأثناء، في حفر الباطن، يفاوض العثمانيين، ليساعدوه على احتلال الكويت. ولما وصله خبر دخول عبدالعزيز بن سعود الرياض، لم يهتم كثيراً، واستهان بأمره، وأقام في حفر الباطن أربعة أشهر، بعد فتح الرياض، يفاوض الأتراك، ويمني نفسه بقتل ابن سعود، واستعادة الرياض، واحتلال الكويت معاً. وبعد أن لمس تقاعس الأتراك ومماطلتهم، تشاور مع رجاله، واستقر رأيه على التوجه إلى عاصمته، في حائل، وتجهيز جيش كبير، لغزو الرياض.
مرحلة التوحيد والبناء
وباستعادة الرياض، وضع عبدالعزيز اللبنة الأولى في بناء الدولة، وخطا أول خطوة على طريق الوحدة الوطنية، ومرحلة التوحيد. وتعد مرحلة ما بعد استرداد الرياض، أهم المراحل في تاريخ عبدالعزيز، إذ قضى أكثر من عشرين عاماً في معارك وحروب، على أكثر من جبهة، واجهته، خلالها، الكثير من المشاكل والمصاعب. ولكنه استطاع أن يتغلب عليها، بكرمه وحكمته وشجاعته.
وقد أدرك الأمير عبدالعزيز، أنه لا بدّ من الإسراع في التوسع، وكسب الأنصار. فاتجه إلى المناطق الواقعة جنوب الرياض، لبعدها الجغرافي عن مركز حكم ابن رشيد، في حائل. كما أنه كان يدرك ما له ولأسرته من مؤيدين وأنصار في تلك المناطق. واستطاع، في أقلّ من ستة أشهر، أن يضم إلى حكمه المناطق الواقعة جنوبي نجد، بين الرياض والربع الخالي، بما فيها الخرج، والحريق، والحوطة، والأفلاج، ووادي الدواسر، ويعين عليها أمراء من قبله، ويخصص لها قوات من رجاله.
وبعد هذه الانتصارات المشجعة، وجه الأمير عبدالعزيز أنظاره إلى عالية نجد، في الغرب. وقام بهجمات موفقة على تلك المنطقة، فاستطاع أن يضمها إلى حكمه.
وبعد ذلك. أرسل البطل عبدالعزيز لوالده الإمام عبدالرحمن يبشّره بالنصر الكبير ويطلب منه التكرم بالعودة بعد أن استتب أمن الرياض وما حولها، فأقبل الإمام بمن معه من الرجال واستقبله الابن على مسيرة ثلاثة أيام من الرياض، فدخلها بعد غياب إحدى عشر سنة.
وتمت البيعة الأولى لعبدالعزيز في اجتماع عام عقد بالرياض بعد صلاة الجمعة في ربيع الأول سنة 1320هـ (1902م) حضره العلماء وكبار الشخصيات حيث أعلن الإمام عبدالرحمن بن فيصل تنازله الكامل عن حقوقه في الملك لابنه عبدالعزيز، وأهدى إليه (سيف سعود الكبير) الذي نصله دمشقي، وقبضته محلاة بالذهب وجرابه مطعّم بالفضة.
ثم توجه إلى منطقة الوشم ودخل بلدة شقراء، ثم واصل زحفه صوب بلدة ثادق فدخلها أيضاً، ثم انطلق إلى منطقة سدير ودخل بلدة المجمعة، وبهذا الجهد العسكري تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد مناطق الوشم وسدير وضمها إلى بوتقة الدولة السعودية الحديثة.
وتمكن الملك عبدالعزيز في الفترة 1321- 1324هـ من توحيد منطقة القصيم وضمها إلى الدولة السعودية بعد أن خاض مجموعة من المعارك منها معركة الفيضة ومعركة البكيرية ومعركة الشنانة وانتصاره في معركة روضة مهنا في 18 صفر 1324هـ الموافق 14 أبريل 1906م وهي إحدى المعارك الكبرى الحاسمة.
ثم واصل الملك ضم أجزاء البلاد حتى توج ذلك في 17 جمادى الأولى 1351هـ بصدور مرسوم ملكي بتوحيد كل أجزاء الدولة السعودية الحديثة في اسم واحد هو المملكة العربية السعودية وأن يصبح لقب الملك عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية واختار جلالته في الأمر الملكي يوم الخميس 21 جمادى الأولى 1351هـ يوماً لإعلان توحيد المملكة العربية السعودية وهو اليوم الوطني للمملكة.
واختارت الدولة السعودية في عهد الملك عبدالعزيز شعار الدولة الحالي سيفان متقاطعان بينهما نخلة أما العلم فأصبح لونه أخضر مستطيل الشكل تتوسطه شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله باللون الأبيض وتحتها سيف باللون الأبيض.
تأسيس الدولة الحديثة:
ونظم الملك عبدالعزيز دولته الحديثة على أساس من التحديث والتطوير المعاصر، فوزع المسؤوليات في الدولة وأسس حكومة منطقة الحجاز بعد ضمها وأنشأ منصب النائب العام في الحجاز وأسند مهامه إلى ابنه الأمير فيصل وكان ذلك عام 1344هـ - 1926م، كما أسند إليه رئاسة مجلس الشورى، وفي 19 شعبان 1350هـ الموافق 30 ديسمبر 1391م صدر نظام خاص بتأليف مجلس الوكلاء، وأنشأ الملك عبدالعزيز عدداً من الوزارات، وأقامت الدولة علاقات دبلوماسية وفق التمثيل السياسي الدولي المتعارف عليه رسمياً، وتم تعيين السفراء والقناصل والمفوضين والوزراء لهذه الغاية، كما اهتم الملك عبدالعزيز كثيراً بدعم القضية الفلسطينية، ولما تأسست جامعة الدول العربية في القاهرة عام 1365هـ- 1945م كانت المملكة العربية السعودية من الدول المؤسسة.
ومن منجزات الملك عبدالعزيز تنفيذ أول مشروع من نوعه لتوطين البدو، فأسكنهم في هجر زراعية مستقرة وشكل منهم جيشاً متطوعاً يكون تحت يده عند الحاجة، كما عمل على تحسين وضع المملكة الاجتماعي والاقتصادي فوجه عناية واهتماماً بالتعليم بفتح المدارس والمعاهد وأرسل البعثات إلى الخارج وشجع طباعة الكتب خاصة الكتب العربية والإسلامية واهتم بالدعوة الإسلامية ومحاربة البدع والخرافات، وأنشأ هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وزودها بالإمكانات والصلاحيات، وأمر بتوسعة الحرم النبوي الشريف، وقد شرع في ذلك عام 1370هـ -1951م ووفر الماء والخدمات الطبية والوقائية لحجاج بيت الله الحرام.
بداية النهضة
وفي عام 1357هـ - 1938م استخرج النفط بكميات تجارية في المنطقة الشرقية مما ساعد على ازدياد الثروة النقدية التي أسهمت في تطوير المملكة وتقدمها وازدهارها، وأنشئت مؤسسة النقد العربي السعودي بعد أن بدأت العملة السعودية تأخذ مكانها الطبيعي بين عملات الدول الأخرى، واشترت الدولة الآلات الزراعية ووزعتها على الفلاحين للنهوض بالزراعة.
وأنشئت الطرق البرية المعبدة، ومد خط حديدي ليربط الرياض بالدمام، وربط البلاد بشبكة من المواصلات السلكية واللاسلكية، ووضع نواة الطيران المدني بإنشاء الخطوط الجوية العربية السعودية عام 1945م، ومد خط أنابيب النفط من الخليج إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط.
وافتتحت الإذاعة السعودية عام 1368هـ - 1949م واهتم المؤسس-رحمه الله- بمحاربة المرض وتوفير الخدمات الصحية، فأنشئت المستشفيات والمراكز الصحية في مختلف مدن المملكة، ووضع نظام الجوازات السعودية وغيرها من المرافق العامة ذات الصلة بالمجتمع.
وهكذا أرسى القائد المؤسس قواعد دولته الفتية على أرض الجزيرة العربية مستمداً دستورها ومنهاجها من كتاب الله الكريم وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فبدل خوفها أمناً، وجهلها علماً، وفقرها رخاء وازدهاراً.
التطوير وإلاصلاح
لم يكتف الملك عبدالعزيز ببناء هذه الوحدة السياسية والحفاظ عليها فقط بل سعى إلى تطويرها وإصلاحها في المجالات كافة، حتى استطاع بفضل الله عز وجل أن يضع الأساس لنظام إسلامي شديد الثبات والاستقرار مع التركيز على المسؤوليات وتحديد الصلاحيات، فتكونت الوزارات وظهرت المؤسسات وقامت الإدارات لمواجهة التطور، وأدخلت المخترعات الحديثة لأول مرة في شبه الجزيرة العربية فحلت تدريجياً محل الوسائل التقليدية، وأقام -طيب الله ثراه- القضاء على أساس من تحكيم الشريعة الإسلامية في كل الأمور، فأنشأ المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وأصدر الأنظمة التي تدعم هذه المحاكم وتبين وظائفها وتحدد اختصاصاتها وسلطاتها وتنظم سير العمل بها، كما حقق الملك عبدالعزيز إنجازات كبيرة في مجال إقرار الأمن والمحافظة على النظام في الدولة لتوفير الراحة والاطمئنان للمواطنين والوافدين فضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن أو الإخلال بالنظام حتى أصبحت هذه البلاد مضرب الأمثال في جميع الأوساط الدولية على استتباب الأمن والاستقرار.
رعاية ضيوف الرحمن:
وفر الملك عبدالعزيز أفضل الخدمات لضيوف الرحمن والأماكن المقدسة إذ بادر بوضع نظام للحجاج وأشرف بنفسه على تنفيذه ليضمن لهم أكبر قدر من الراحة والأمن والطمأنينة وحفظ أرواحهم وأموالهم، كما اتخذ من التدابير ما يمنع استغلالهم وفرض تعريفات بأجور عادية لنقلهم بين الأماكن المقدسة، وعمل على توفير مياه الشرب والأغذية وكل مستلزمات الحياة ووسائل الراحة لهم، واهتم بنشر العلم والثقافة على أسس إسلامية راسخة، وحارب الجهل بين الحاضرة والبادية فساند حركات الوعظ والإرشاد والتعليم في المساجد والكتاتيب وغيرها، ودعم المدارس الأهلية ووضع قواعد التعليم الحكومي المنظم عندما أسس مديرية المعارف لتتولى الإشراف على التربية والتعليم.
علاقات وروابط
ولم تقتصر جهود الدولة في عهد الملك عبدالعزيز على البناء الداخلي بل سعت إلى توثيق العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة. فكانت سياسة المملكة الخارجية مبنية على وضوح الهدف والثبات على المبدأ ومناصرة الحق انطلاقاً من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي قامت عليه أركان هذه الدولة وهو القاعدة التي انطلقت منها نهضتها وأمنها ورخاؤها.
فقد حرص الملك عبدالعزيز على مد جسور التعاون والتقارب وتعزيز الروابط مع الأشقاء العرب وسعى إلى توحيد صفوفهم وجمع كلمتهم ولم شملهم وحل خلافاتهم بالتشاور فيما بينهم والاتفاق على الأهداف الأساسية التي تضمن لهم تحرير أراضيهم وصيانة حقوقهم ومكتسباتهم.
إقامة الشرع
لقد كان الهدف الأسمى للملك عبدالعزيز خلال جهاده الطويل هو إقامة شريعة الله من منابعها الصافية كما وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتراث السلف الصالح، ولقد حقق الملك عبدالعزيز هذا الهدف وجعله أساساً قامت عليه دولته الفتية منذ أيامها الأولى وإلى يومنا هذا، وفي تراثه الفكري من الخطابات والأحاديث ما يعبر عن ذلك أصدق تعبير ومن ذلك قوله يرحمه الله (إني اعتمد في جميع أعمالي على الله وحده لا شريك له، اعتمد عليه في السر والعلانية، والظاهر والباطن، وأن الله مسهل طريقنا لاعتمادنا عليه، وإني أجاهد لإعلاء كلمة التوحيد والحرص عليها).
وقوله في الجلسة الافتتاحية لمجلس الشورى عام 1349هـ. (إنكم لتعلمون أن أساس أحكامنا ونظمنا هو الشرع الإسلامي، وأنتم في هذه الدائرة أحرار في سن كل نظام وإقرار العمل الذي ترونه موافقاً لصالح البلاد على شرط ألا يكون مخالفاً للشرعية الإسلامية، لأن العمل الذي يخالف الشرع لن يكون مفيداً لأحد، والضرر كل الضرر هو السير على غير الأساس الذي جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم).
بسط الأمن الشامل
قبل الملك عبد العزيز كانت الحالة الأمنية في شبه الجزيرة العربية في حالة من الفوضى والانفلات، وكانت طرق الحج تعج باللصوص وقطاع الطرق الذين كانوا يهاجمون قوافل الحجاج ويسلبونها ويعتدون عليها، وكان الحج في تلك الأيام مغامرة لايدري الحاج معها ما إذا كان سيعود من حجه سالماً أم لا.
وجاء الملك عبد العزيز وأعلن تطبيق شريعة الله، وهي شريعة الأمن والأمان للمجتمع الإسلامي، وبهذا التطبيق قضى على عصابات اللصوص وقطاع الطرق وبسط الأمن الشامل في جميع ربوع المملكة، وصار هذا الأمن مضرب الأمثال في بلاد العالم الأخرى تروى عنه الروايات، وكان الملك عبد العزيز يرحمه الله أول حاكم مسلم يدعو إلى (التضامن الإسلامي) ويضعه موضع التطبيق، وكان أول مؤتمر إسلامي عام في تاريخ الإسلام هو الذي دعا إليه الملك عبد العزيز عام 1345هـ وحضرته وفود الدول الإسلامية، ويمكن القول إن السياسة التي رسمها الملك عبد العزيز وصارت إحدى السمات المميزة لثوابت السياسة السعودية هي العمل الدائم على وحدة كلمة المسلمين.
وفي هذا الهدف السامي قال يرحمه الله:
(إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين، فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد ذلك أن يجمع كلمة العرب، فيوحد غاياتهم ومقاصدهم ليسيروا في طريق واحد يوردهم مورد الخير).
التضامن الإسلامي
من منطلق ما أمر الله تعالى به عباده المسلمين من الإخاء والتضامن كان الملك عبدالعزيز أول حاكم مسلم يدعو إلى هذا التضامن ويضعه موضع التطبيق، وكان أول مؤتمر إسلامي عام في تاريخ الإسلام هو الذي دعا إليه الملك عبدالعزيز عام 1345ه وحضرته وفود من الدول الإسلامية، وكان هذا المؤتمر أول مناسبة جمعت ممثلي المسلمين من كافة الأقطار الإسلامية. ويمكن القول إن السياسة التي رسمها الملك عبدالعزيز وصارت إحدى السمات المميزة لثوابت السياسة السعودية هي العمل على وحدة كلمة المسلمين والتضامن فيما بينهم ومواجهة أعدائهم صفاً واحداً والتعاون والتكافل. وفي هذا قال يرحمه الله:(إن أحب الأمور إلينا أن يجمع الله كلمة المسلمين، فيؤلف بين قلوبهم، ثم بعد ذلك أن يجمع كلمة العرب، فيوحد غاياتهم ومقاصدهم ليسيروا في طريق واحد يوردهم موارد الخير).
وفاة الملك عبدالعزيز
بعد جهاد طويل وعمر نذره الملك عبد العزيز للوطن والمواطن وإرساء قواعد العدل والإسلام، انتقل في الثاني من ربيع الأول عام 1373هـ الموافق 9 نوفمبر 1953م إلى رحمة مولاه راضياً مرضياً، بعد أن أقام دولة إسلامية عصرية، تأخذ بكل نافع ومفيد من إنجازات العصر ضمن حدود شريعة الله، استهدافاً لخدمة دين الله وخدمة المسلمين في كل مكان، ويبقى يوم الخامس من شوال عام 1319م الموافق 15 يناير 1902م علامة فارقة في تاريخ المملكة، ففيه فتح الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مدينة الرياض، ومنها بدأت مسيرة موفقة لاستعادة ملك الآباء والأجداد من خلال بطولة نادرة ومخلصة لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها.