بعض الناس إن لم تكن أغلبيتهم، غدت كلمة ثوابت مُلح الجرح الذي يحرك فيهم أعصابهم، ولا يقعدهم من وخزهم أبدا..، فالثوابت عندهم تقف عند دلالة واحدة هي الجمود، والتخلف..، والثوابت في مفهومهم حينئذ، هي الحجرة الصلداء التي تؤخر عن التقدم،..
وأي تقدم.. ليتهم يسألون، وعن التحضر.. والتمدن، وليتهم يتعمقون..، وعن التطور وليتهم يفندون..،
لا شريعة للنجاح، والحياة الراقية، والمتحضرة، والأنظمة المُحكمة التي تقرُّ للفرد في تفاصيلها حقوقه..، تلك التي تتيح له حياة بمعناها الفاضل، وعيشا بسلامه الأبيض،.. والضوابط في المعاملات، وفي سيرورة الشراكة فوق الأرض تلك التي تحقق الإنسانية الراقية، كشريعة الله التي جاء بها الإسلام..
غير أن الإسلام لم يستتب، ولم ينتشر، ولم يسع نوره في الأرض، ولم يعمر القلوب، ويهذب النفوس، وينور العقول، ويطهِّر الجِنان، وينعكس في سلوك الجوارح، وأنظمة التفكير، إلا بثوابت جادة، لا حيلة لمن اعتنقه، وتمثَّله لأن يحيد عنها البتة، وإلا فلا حاجة لله تعالى في نفاقه، ولا رضا له تعالى عن تلجلجه،...
إنَّ ثوابت هذا النظام، كما تقرُّ حقَّ الله تعالى..، تقرُّ حقَّ الفرد، وكما تقرُّ حقَّ الفرد..، تحقُّ للجماعة روابطَ، وتبسط أخلاقا للتعامل، وتوظف آليات للسلوك..
من ضمن هذه الحزمة من الثوابت، الإيمان المطلق بأنَّ الإيمان..، لا يتحقق، ما لم يُحب المرءُ لأخيه في الدين..، ما يحب لنفسه، وهو بندٌ دقيقٌ، عميقٌ، جادٌ..، وذو أهمية في شريعة العلاقات البشرية، يكافح الاعتداء في كلِّ أوجهه..، من اللقمة قبلَ أن تُقدم للفم، إلى السُكنى دون أن يؤذي المرءُ جارَه، ومن السلام في الحياة العامة المشتركة، في السوق فلا يغش..، أو يزيد في السعر على نظيره..، كي لا تكسد بضاعته، إلى الطريق، فيرعى حقَّه، من إفشاء السلام، وإماطة الأذى، إلى الستر فالالتزام بمكان، لا يناكب فيه الآخر...
فهذا الجزء من الثوابت، يصُبُّ بردَه صبا، على قروح النافرين من ردِّ كلِّ مكينٍ، وجميل، وصادق، وصائب، وصحيح، لشريعة الدين،،،
فإذا ما وضعنا كلمة الوطن، على محك هذه الثوابت، وفسَّرنا تفاصيلها ضمن ما على المحب لوطنه، أن يفعل من منظور دقائق معايير هذه الشريعة، في شراكة الحياة، تحت لواء الوطن، فإنَّ هناك الكثير الكثير على المواطن ، وهو فرد في المجتمع، أن يقدمه ،ليكون ضمن من يتمُّ إيمانه، في تحقيق جانب، من ثوابت دينه، من ذلك الكثير لا حصرا، ألاَّ يسرع بعربته فيحصد الأرواح، وأن يحترم نظام السير، ولا يبني على أرض غيره وينوف، ويدع غصةَ ظلم في نفس أحد، ولا يأكل من كدح بائسٍ، دون أن يفيه أجره، ولا يغشُّ في تجارته، أو يغلِّي الثمنَ، درأ عن نفسه مغبة الغش، وإرهاق الفقير، ولا يسرق في وضح النهار، بأساليب ناعمة، مغلفة بأسترة الحق، وهو ليس حقا، والجزاء لما ليس جزاءً، والمقابل بلا سبب، والعمولة والهدية بغير وجه نقاء،..
ويحقق المرء ثوابت الحقوق التي له، بمثل ما يحقق التي هي عليه، ويطهر يده ولسانه، ويملأ صدره بالخشية، فلا يضرب بقدميه الأرض، ولا بسواعد مراكبه، ولا يجعل قرشه لتلميع نفسه، وهضم الآخر، ويتعرف أسماء من حوله، فيفشي السلام، ويأمن نومه دون أن تدك بيته عربة مارقة في استهتار، ويتصرف بضابط وعي وحذر،
حين... وحين:
يثبت في القلب حب الوطن، عملا وإنفاذا لتفاصيل ما شرع من ثوابت الشراكة في الحياة الآمنة..
فليفرح الفرحون بصدقهم في حب الوطن..
|
|
لما هو آت حين وحين، هو هكذا..! د. خيرية إبراهيم السقاف |
|