يسمع كثير من الناس باليوم الوطني، وقليل هم الذين يدركون أبعاد هذا اليوم ومضامينه الوطنية، وكل بلدان العالم لها أيامها الوطنية، هو مفخرة كل مواطن غيور على وطنه الحبيب، اليوم الوطني يوم يمثل الوطني منذ نشأته الأولى على أيدي الرجال الذين بنوا هذا الصرح بعرق أجسادهم، وضحوا بأرواحهم، فلم يأت ذلك من فراغ، ولا لقمة سائغة وجدوها باردة مجهزة، بل ضحوا بأنفسهم في سبيل توطيد أركانه وأمنه، وقدموه جاهزا للاستثمار للأجيال القادمة من بعدهم، فلو أننا فردنا الخريطة أمام كل واحد للاطلاع على هذه المساحات الشاسعة للدولة بتضاريسها ومنشآتها العلمية والاقتصادية والثقافية لبهرنا ونتساءل كيف تم ذلك لرجل وحد هذه المسافات ودمجها في إطار واحد، ومنهم الذين كانوا تحت قيادته يواصلون الليل بالنهار في ظروف غاية في القسوة والمشقة، يسيرون على أقدامهم أو على ظهور الجمال والخيل، يأكلون ما تيسر من نبات الأرض، في سبيل تحقيق الهدف العام من هذه المغامرة، يبنون مسجداً ويعمرون آخر، يؤلفون بين أجزاء الجزيرة العربية، التي لم تتوحد من بعد العصر الزاهر للنبوة المحمدية، تحت راية الإسلام الخالدة، إلا في هذا العصر الذي قام به المؤسس الملك عبدالعزيز وكانت معجزة أعانه الله - تعالى - على لم شملها من بعد فرقة دامت لقرون تتناحر على الماء والكلأ، والغلبة للأقوى، والجهل يتفشى والعداوة والبغضاء تزداد في ظل الظروف القاسية، حتى جاء إعلان المملكة العربية السعودية في مثل هذا اليوم من عام 1932هـ، وبناء عليه جاء التعليم والأمن، وتحضر البدوي الذي لم يكن له خيار قبل هذا إلا بالبادية يعيش في أكنافها ويسعى في مناكبها، لأنه لا يستطيع الإقامة في القرية أو المدينة، ما لم تكن من المدن التاريخية الكبيرة المحصنة بالقلاع والأسوار، وانتعشت الزراعة في ظل الأمن، وازدادت الأيدي العاملة، وتم اكتشاف ثروات الأرض، كما كان يقول المؤسس: إن الخير في باطن الأرض، كان مهموماً بالمياه، فهي عصب الحياة وقلبها النابض، ولذلك أمر بالتهجير والاستقرار والاستفادة من هذه الثروات حتى عصر النفط الذي مكن البلاد من الدخول في العالمية، من حيث تصديره والاستفادة من مشتقاته الصناعية.
ألا يستحق هذا اليوم الذي أعلنه الملك عبدالعزيز شعاراً للوطن، الاحتفال به!! نعم يستحق وأكثر، بإظهاره على الملأ، يوماً عالمياً يعجز عن تحقيق معانيه كثير من الناس، فلماذا لا يساهم رجال الأعمال، وأصحاب المتاجر في تخفيض الأسعار، وتقديم المساعدات للمحتاجين، وإنارة الوزارات والدوائر الحكومية والأسواق والطرقات، وتقام الاحتفالات الشعبية ابتهاجاً به، ولا يقتصر على يوم واحد، بل يكون الوطن في مهجة كل منا على مدار العام، ونقف صفاً واحداً لحمايته من كيد الكائدين، والمعتدين على مكتسباه التي أورثنا إياها قائدنا ورجاله، أجدادنا البواسل، فإذا خسرناها (لا قدر الله) خسرنا أنفسنا، ولنعلم ذلك في مدارسنا وبيوتنا فيجب علينا أن نعرف معنى الوطن ونساهم في رقيه ورفعته، ابتداء من نظافة الطريق وانتهاء بحمل السلاح في وجه المعتدي عليه، سواء من داخله أو من خارجه، وأن هذه المدن الصناعية والجامعات التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - أكبر دليل على حرصه على دفع الوطن إلى مصاف العالم المتقدم، فلتكن كل السنة يوماً وطنياً، وكل عام والوطن بخير.
* أستاذ الأدب العربي الحديث - جامعة الملك سعود |
|
اليوم الوطني.. والأجيال القادمة د. سلطان بن سعد القحطاني
|
|