Saturday  25/09/2010 Issue 13876

السبت 16 شوال 1431  العدد  13876

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

أصبح للوطن يوم كل عام، يحتفل فيه أبناؤه بذكرى تأسيسه بقيادة المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، يأملون فيه بأن يكون دوماً وطناً للجميع، لا تفرقه جغرافيا أو فئة أو طائفة، ويتطلعون أن يصلوا به إلى أن يكون موطناً للمستقبل المشرق، وأرضاً عامرة بالأمن والمصالح للأجيال القادمة...

دخل مفهوم الوطن مؤخراً إلى ثقافة المجتمع، بعد أن كانت مرجعية الأمة الإسلامية العين التي يرى من خلالها المسلم العالم الآخر، وهو ما أثقل الحمل على المواطن، فقد وجد نفسه في رحلة لا تنتهي من الدفاع عن الأخطار التي تواجه الأمة في كل مكان، يؤديها احتساباً للأجر والثواب الأخروي، وكانت نتيجة ذلك دخوله في حلقات لا تنتهي من سلسله العنف الديني في مختلف بقاع الأرض جهاداً ودفاعاً عن الأمة الإسلامية..

كان ولا زال ارتباط المسلم بقضايا الأمة شديداً، وينم عن إيمان قوي.. زاده الخطاب الديني صلابة ورفعة منزلة عندما ربط جهاده الأممي بالإيمان ويوم الجزاء والحساب (من مات، ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات ميتة جاهلية)، وهو أصل كان له دور عظيم في مرحلة التوحيد، بينما دخل مفهوم الوطن متأخراً، والذي لا زال يواجه عدم قبول من رموز التيار الديني، وبسبب ذلك ولأسباب أخرى لا يزال مفهوم الأمة أكثر عمقاً عند الإنسان المسلم، والوطن في يوم احتفاله الكبير يعاني من فوقية الأمة، ومن آثار الفئوية، وينتظر عملاً وطنياً مضاداً، قادراً على التفوق على تلك المعوقات ثم إذابتها في قالب الوطن، وفي أولوية المواطن في مصالح بلاده..

من الخطأ الجسيم استخدام الوطنية ضد مصطلح الأمة التاريخي، أو من أجل التقليل من مرجعيتها، فمفهوم الأمة ديني، ويربط عمل الإنسان المسلم وجهاده للأمة بآخرته، بينما تعني الوطنية مصالح الدنيا ومنافعها، ولا يمكن أن يصل الوطن إلى قدسية الأمة وبعدها الديني، لكن في الإمكان إيصاله إلى مراحل أكثر تطوراً في السجل الحضاري المدني، على أن يتم ربطه بمصالح المواطنين ومنافعهم، وأن يعني الوطن الأمن والمستقبل الواعد للأجيال القادمة.. وأن يعني الأمن الوظيفي والمعيشي، وأن تنخفض معدلات الجريمة المنظمة وغير المنظمة، وتتحسن الخدمات الصحية والبيئية، وأن يتم إخضاع الطبيعة القاسية في الوطن من أجل تكون مكاناً ملائماً للعيش في المستقبل، عبر وضع حلول إستراتيجية طويلة الأجل لأزماته المتوقعة في البيروقراطية المشلولة وفرص العمل والمياه والكهرباء والمواصلات والسكن..

كذلك أن يتصف مفهوم الوطنية بالشفافية والمصداقية، وأن يصل المواطنون إلى قناعة أن الوطن ليس مجرد آلة طابعة للأوراق المالية يسهل انتقالها إلى الخارج، فما يحدث الآن من هروب هائل للأموال خارج الوطن بسبب تحويلات العمالة والاستثمارات الأجنبية لا يمكن حجب آثاره عن علاقة المواطن بوطنه، لذلك لا يمكن فصل الوطنية عن أحقية المواطن في الحصل على عمل داخل حدود بلاده..

الوطن ليس فقط أنشودة وطنية أو أهازيج رياضية بل كيان يلتحم فيه التاريخ.. تاريخ تأسيس الوطن بقيادة الموحد الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، ومراحل تطوره وتحولاته التاريخية خلال العقود الماضية، مع تطلعات مواطنيه ليكون وطناً لا تغيب عنه شمس الاستقرار..

ختاماً.. تختلف حقوق الوطن وواجباته عن حقوق الأمة وواجباتها الدينية، فالوطن مصطلح مدني حديث، تحكمه الحقوق المدنية والواجبات الإنسانية والشفافية والعدالة والمساواة، أي أنه معادلة تحكمها أولويات المصالح والمنافع المتبادلة، ومتى ما شعر المواطن أنه لا يحصل على حقوق مقابل واجباته التي يؤديها للوطن، سيجد نفسه مرة أخرى في أحضان مرجعية الأمة يؤدي واجباتها وفروضها، ويُحدث نفسه بالغزو، وينتظر ثواب الله عز وجل على عمله في يوم الحساب الأخير..

 

بين الكلمات
الوطن ليس أنشودة أو أهزوجة رياضية
عبد العزيز السماري

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة