Saturday  25/09/2010 Issue 13876

السبت 16 شوال 1431  العدد  13876

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

           

توفي جمال عبدالناصر (1918-1970م) - عليه رحمةُ الله - وكنا صبيةً في المرحلة المتوسطة، ولم ندرِ الموقف الصحيح منه؛ فالجماهيرُ معظمُها معه، والنخبُ منقسمة، والجيل الناشئ يتأثر يومًا بأولاء وآخرَ بأولئك، والصغير لا يأبه للدلالات الإيمانية المتصلة بالموت.

نقل الخبرَ صديقٌ يكبرنا، وكنا في صلاة الفجر أقرب للمنام، ولأن الصبي في مدار النخبة المتحفظة عن الناصرية، وفي دواخله انعتاق من التبعية فقد اكتفى بألا يحزن، ورد على ناقل الخبر بدهشة المفاجأة لا بقسوة الفاجعة، وبعد حين أدرك أنها تجربة سياسية كستها ظروف المرحلة هالةً علوية، ثم أحالتها صناعة الرمز إلى تطرف الحدية؛ فانقسم الناسُ بشأنه بين التقديس والتدنيس، وانحسر المعتدلون، وربما رُمُوا بالتأمرك والتخلف والرجعية.

نسي الناسُ أسطورةَ الزعيم، وعادوا للتعامل مع المؤسسة والموقف؛ فما كان في الساحة من يملك «الكاريزما» - وهي هبةٌ إلهية لا تُمنح من وسائط الإعلام مهما بلغت أو بالغت -، كما أن الجراح العربية المفتوحة لم تأذن بمن يستطيع لأْمَ بعضٍ منه لتلتفت إليه الجماهير، وبقينا في زمن التيه نجتر ذكرى وتأسونا ذكريات.

هكذا عهدنا المشهد العام؛ فالفرديةُ مرحلةٌ عبرت، والشعارات المرتبطة بها انتهت، وشروط النهضة لا يصنعها لِجاج صوت، والتحرير لا يدين لطائفي يأتمر لكسروي، ولا لكرسي يصنعه قيصري، ولا لطريق مستقبلي يمر بمحطتي فارس والروم.

الزمن القادم صعب دون ريب، ولا مكان فيه لشاعر أو لمشاعر، والباحثون عن الضوء وسط الحِراب والخَراب غارقون في الحلم اللذيذ الذي استيقظت منه الشعوب العربية بخارطة جديدة فضحت أكذوبةَ الزعيم ودجل الشعارات.

تبقى المعضلةُ السياسية دون المعضلة الثقافية؛ حيث يجري تحريك الجماهير الغافية لتتصادم مع بعضها في صراع يُذْكيه مأزومون بعناوينَ طائفيةٍ وجهوية وقبلية وعرقية، ويعزفون على الأوتار الصحوية والتغريبية لاستمالة الصامتين وإدخالهم في دائرة الخصومة تمهيداً للاحتراب الداخلي، والنُذُر لا تتحول لمبشرات.

اشتاقت أرض أبي العلاء (973-1057م) لطوفان يغسل دَرنها، وما كانت ولن تكون كما أراد؛ فالأمل باقٍ بإرادة الحياة، غير أنه لم يحِدْ عن الحقيقة حين رأى «تكذيب العقل في تصديق كاذبهم والعقل أولى بإكرام وتصديق»، وهو جِماع القضية ومستخلصها، كما هو الفرقان الذي سيُبين عمالةَ المتبوعين واستلاب التابعين.

في زمنه وضع ابن خلدون (1332-1406م) قواعد لقراءة التاريخ أجملَها في أربعة قوانين؛ هي: السببية؛ فالحادثة تنتج من أخرى وتخلق سواها، والتشابه؛ إذ الماضي يتكرر بصورةٍ وبغيرها، والتطور؛ وهو ما يعني حصول حوادث جديدة لظروف مستجدة، والاستحالة والإمكان؛ فتحليل الوقائع يستشير العقل ويستنير به، وما قَبِله العقل تمكن قراءته وما لا فلا، وبذا اتفق حكيما «المعرة وتونس».

وفي زمن العلم والعولمة ما يزال ثلل فينا يستجدون الوهم ويقتاتون الخيال ويصدقون مزادات الكذب ويتكئون على معطيات الارتزاق والنفاق منتظرين الأوحد في عصر التعدد، وفي بعض هذا تجاوز الوعي التاريخي بما عشناه حاضراً وقرأناه ماضياً.

الغد عقل.

Ibrturkia@gmail.com
 

عقل التاريخ..
ابراهيم بن عبد الرحمن التركي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة