تقوم الدول على أكتاف الرجال، وتنهض الأمم والشعوب على جهود المخلصين من أبنائها، فتتشكل هويْتها، وتظهر خصوصيتها، ويوضع دستورها المستمد من عقيدتها وثوابتها، ومن أولئك الرجال الأبطال القلائل الذين خلّد التاريخ ذكرهم، وخط الزمن مآثر سيرتهم العطرة بحروف من نور ترويها الأجيال المتعاقبة بكل فخر واعتزاز؛ رجلٌ شيد دولةً، ووحد أمةً، ووضع دستوراً قائماً على الكتاب والسنة، وهو جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل -طيب الله ثراه- والذي نحتفل هذه الأيام بالذكرى الثمانين ليوم المملكة العربية السعودية الوطني، الذي أكمل فيه جلالته -رحمه الله- توحيد رقعة هذا البلد المعطاء.
ففي ذلك اليوم التاريخي المشهود قبل ثمانين عاماً كان للملك عبدا لعزيز -طيب الله ثراه- وقفة بطل مع التاريخ لا تزال وستظل تذكر بإذن الله، عندما أعلن جلالته توحيد هذه البلاد (بلاد الحرمين الشريفين) وأطلق عليه «المملكة العربية السعودية» ليعلن في تلك اللحظة التي لن تنسى دولة النماء، ومملكة الإنسانية، ولم يكتف الملك عبدالعزيز ببناء هذه الوحدة السياسية، فقط بل سعى إلى تطويرها وإصلاحها في كافة المجالات، حتى استطاع بفضل الله -عز وجل- أن يضع الأساس لنظام إسلامي شديد الثبات والاستقرار مع التركيز على المسؤوليات، وتحديد الصلاحيات، فأنشئت الوزارات وظهرت المؤسسات وقامت الإدارات لتساير التطور في مختلف مجالات الحياة، وتم جلب المخترعات الحديثة لأول مرة في شبه الجزيرة العربية؛ لتحل محل الوسائل التقليدية، وأقام (طيب الله ثراه) نظام القضاء على أساس من تحكيم الشريعة الإسلامية في كل الأمور، فأنشأ المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، ووفر أفضل الخدمات لضيوق الرحمن والأماكن المقدسة إذ بادر بوضع نظام للحجاج وأشرف بنفسه على تنفيذه؛ ليضمن لهم أكبر قدر من الراحة والأمن والطمأنينة، وحفظ أرواحهم وأموالهم، كما حقق الملك عبدالعزيز إنجازات كبيرة في مجال إقرار الأمن والمحافظة على النظام؛ لتوفير الراحة والاطمئنان للمواطنين والوافدين فضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه العبث بالأمن أو الإخلال بالنظام حتى أصبحت هذه البلاد مضرب المثل في استتباب الأمن والاستقرار.
وامتد هذا الاهتمام المقرون بالتطلع للمستقبل وصولاً إلى التطوير في مختلف المجالات، وعبر الحقب التاريخية حيث تولى دفة الحكم أبناؤه من بعده رحمهم الله جميعاً. ولاتزال تتواصل مسيرة البناء والرخاء لمملكة الإنسانية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله- وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني -حفظهما الله- فقد تميز عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالعديد من الإصلاحات والمنجزات التي جعلت المملكة العربية السعودية تتبوأ مراتب متقدمة بين دول العالم من خلال الخطوات التي اتخذها على طريق التقدم والتطور والنماء، وهذا الأمر يتضح في جميع المجالات، فنجد على صعيد الجبهة الاقتصادية أن المملكة ظلت في أوج قوتها أثناء الأزمة العالمية التي تضرر منها كثير من الدول، ولم يكن ذلك نتيجة لحدث عرضي بل نتيجة تخطيط دقيق، فقد اتسمت المملكة العربية السعودية -كعادتها- منذ عشرات السنين بالحذر في إدارتها لاحتياطاتها المالية الخارجية التي مكنت البلاد أيضاً من السير قدماً في ميدان النمو الاقتصادي، كما أن المملكة استطاعت تطوير معظم قوانينها وإجراءاتها ووضعها في مكانها الصحيح وسط تصاعد الأزمة ونجحت في تحفيز وتنمية اقتصادها.
ولقد دشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز وسط اشتداد الأزمة المالية العالمية برنامج الإنفاق العام الذي زاد على 400 بليون دولار تم تسخيره في الاستثمار في مشاريع عملاقة في المواصلات والنقل العام، كما دشن مدناً اقتصادية جديدة في الوقت الذي استمر في الإصلاحات الاقتصادية، ونتيجة لذلك تتبوأ المملكة العربية السعودية الآن المرتبة الثالثة عشرة في تقرير البنك الدولي بشأن أفضل الشركات العالمية في «سهولة أداء الأعمال التجارية»، وتحتل المملكة المرتبة الثامنة لأكثر الدول العالمية جاذبية بالنسبة للاستثمارات الأجنبية. إذ اتسع باب المملكة أمام الشركات الأجنبية بشكل كبير بانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية في ديسمبر عام 2005م.
أما في مجال التعليم فلم يغب الجانب المعرفي والتعليمي عن ذهن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز منذ أن كان ولياً للعهد ورئيساً للحرس الوطني؛ فأعماله واضحة للعيان وتعكس مدى لاهتمام بالتعليم في الحرس الوطني وهذا أثمر حصوله على جائزة اليونسكو عام 1999م لتميزه في تعليم الكبار، كما صدرت موافقته الكريمة على إنشاء العديد من الجامعات، ولا يزال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يقدم دعمه غير المحدود لمسيرة التعليم في بلادنا الغالية التي هي إحدى الركائز الأساسية لمسيرة البناء والنماء الشاملة، حيث صدر الأمر الملكي الكريم بالرقم أ / 227 في 16-7-1426هـ متضمناً تخصيص مبلغ ثلاثين ألف مليون ريال من فائض إيرادات السنة المالية 1426/1425هـ؛ لتنفيذ مرحلة ثانية من البرنامج الإضافي لتحسين وتطوير الخدمات يوزع على مدى خمس سنوات مالية بالتساوي ابتداءً من العام المالي 1426هـ 1427هـ، ويعد مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتطوير التعليم العام الذي أقره مجلس الوزراء نقلة نوعية في مسيرة التعليم بالمملكة العربية السعودية فهو مشروع نوعي يصب في خدمة التعليم وتطوره في المملكة لبناء إنسان متكامل من جميع النواحي.
وبشكل عام نستطيع القول إن التنمية في عهد خادم الحرمين الشريفين استطاعت أن تتجاوز السقف المعتمد لإنجاز العديد من الأهداف التنموية التي حددها إعلان الألفية للأمم المتحدة عام 2000م. والملاحظ أن المملكة في عهد الملك عبدالله استطاعت أن تدمج الأهداف التنموية للألفية ضمن أهداف خطة التنمية الثامنة بحيث أصبحت الأهداف التنموية للألفية جزءاً من الخطاب التنموي السعودي، كذلك تضاعفت في عهد الملك عبدالله الأرقام التنموية، فعلى سبيل المثال نجد أن عدد الجامعات وخلال عامين فقط وصل إلى أكثر من عشرين جامعة بعد أن كان عددها لا يتجاوز ثماني جامعات، كما تم الإعلان عن إنشاء العديد من المدن الاقتصادية، منها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ ومدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في حائل ومدينة جازان الاقتصادية ومدينة المعرفة الاقتصادية بالمدينة المنورة إلى جانب مركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض. ليس هذا فحسب، وإنما حرص الملك عبدالله على سَنّ الأنظمة وبناء دولة المؤسسات والمعلوماتية في مختلف المجالات، فضلاً عن حرصه -حفظه الله- على تحسين المستوى المعيشي للمواطنين ودعم المخصصات للقطاعات الخدمية ودعم مسيرة الاقتصاد الوطني التي تخدم المواطنين كالضمان الاجتماعي والمياه والكهرباء وصندوق التنمية العقاري وبنك التسليف السعودي وصندوق التنمية الصناعي. وبكل تأكيد شمل حرصه -رعاه الله- توفير أفضل أنواع الخدمات لحجاج بيت الله الحرام وزوار المسجد النبوي الشريف، ولا ننسى على سبيل المثال التوسعة التاريخية للمسعى وهو لا شك عمل إسلامي كبير نرجو أن يكون في موازين حسناته.
نسأل المولى -تبارك وتعالى- أن يحفظ لنا ديننا، ووطننا، بقيادة خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب، حفظهم الله ذخراً لهذا البلد المعطاء، ولأبنائه، وكل عام وأنت بألف خير يا بلد الخير، وعوداً حميداً يا يوم الخير.
وكيل جامعة حائل