ليس من مدرسة أوسع زماناً، وأكثر عطاءً، وأبلغ هدفاً، وأثبت إلحاحاً، من المواقف التي يتعرض لها كل ذي احتكاك بأنماط البشر... صحيح أن الناس حين يتبصَّرون في أنفسهم، فسوف يجدون التشابه، والتطابق في أبنية أجسادهم، من حيث الأجزاء من القدمين إلى الرأس، ومن اللسان إلى العصب، ومن اللحم للشعر.. لكنهم على كل الأحوال، لن يجدوا ذلك التماثل الدقيق، ولا التطابق الكلي، في الألوان ولا التفاصيل, ولا الأطوال والتقاطيع, بل ولا النظرات، ومن ثمَّ، فلا تجد واحداً من البشر كالآخر، غير أن هناك صفات أيضاً تجمعهم زمراً، فالطيبون جماعة، والخبيثون جماعة، والأخيار جماعة، والأشرار جماعة... ولكل زمرة أناسها، المتشابهون المختلفون في آن...
سيجد المرء أن واحداً من البشر وإن تشابه... فإنه لا يتطابق، وإن تزامر فإنه لن يتماثل حذواً واحداً...
هذا الأمر من طبيعة خلق الله في خلقه، منذ خلق النطفة الأولى، وإلى يوم ترجف الأرض، وتخرج أثقالها...
وللإنسان أن يتفكر في مدرسة الإنسان، وما تهب، وتعطي, من خير تتلون مشاربه، وشر تتفاوت منابعه، ومنهما على اختلاف, وحجم أدائهما في المواقف، والمحكات... فليس الإنسان كله شراً، وإن وجد، وليس كله خيراً وإن وجد..
وإذن فما أكثر ألوان الشر, وتفاصيله بعدد زمرته، على مدى حياة الفرد، وهو يعيش فيقابل منها، وما أكثر ألوان الخير بمثل ذلك...
الإنسان في مدرسة هذه المواقف منذ يصرخ خارجاً من الأحشاء البشرية، وإلى أن يصمت داخلاً لأحشاء الأرض... ليواجه حصاد ما أعطى... وما تلقى، وما تفاعل، وما تعامل, حين يخرج لسعة كون الله العظيم... حيث البقاء المطلق... إما في نعيم حصاد مدرسته الأولى، وإما في جحيم غرسه فيها...
والكلمة في الأخير هي مقود الزمر، والفاعلة في التأثير، والمؤسسة للجِنان، والفاعلة في المواقف، بل هي بدء العلاقة والشراكة منذ « اقرأ»..
كانت منطوقة ومكتوبة ومسموعة، فإنها الساربة السارية في وجدان الإنسان، الباقية في أعماقه، المحرضة لمواقفه..
وتلك محاور الزُّمَر... ومبدأ الشراكة في النهجِ والنَّجعِ..
دعاني لهذه المسلمات التفكُّر فيما تعكسه مواقف القراء نحو ما نكتبه، فهم زمر، يمنحوننا من ذواتهم وأفكارهم، ما يعكس تشابههم، أو اختلافهم...
وإني والله تلميذة في مدرسة كلِّ من أجده كلَّ يوم، وحتى آخر يوم، ضمن زمر الخير على اختلاف أبجدياتهم، يعقبون، ويناقشون، ويتركون بصماتهم هنا، وفي الرسائل، والمهاتفات، والبريد... ثم إنَّهم من الذين يأخذونني للتمعن في موازين ترجح دوماً بخير القلوب، ونبض الصدق، ووعي الخاطر... وإنهم على جادَّة النور ما استطاعوا أن تكون لهم ألسنة تؤْثِر الكلمةَ الطيبة، وأبعادٌ ترمي لحياة فضلى...
فثلة قليلة على يقين، هي برد النفس، وعمق الدرس...
ولا أعذب من منهل الناس الأصفياء، حين يتبصَّرون.. ويُبصرون, فيمنحون، وتُشرع بهم مواقف العبر, والحلم، وتُنصب بهم منابر الدرس... والتأمل والتبصُّر، والعمل..
سأعود للرد المفرد لكل من واصلني وتأخرت..
وللأعزاء أقول: شكراً.
ولهما أقول:
سراب: إني خارج هذا المدار وحين عودة سوف ألتقيك حيث ما استطعت الأخذ بيد الموضوع.. فلا تبتئسي بنيتي وتصبّري قليلاً حماك الله.
الأخ مراد عز العرب: أعتذر للتأخير لكنني لم أر تعقيبك إلا قريباً جداً ولن أنسى العزيزة سوسن مصطفى، كنا على درب بناء وعطاء وكفاح، كلما تقدمت الأجنحة وجدتها تلك التي حفرت معي مسار التحليق... هي بصمة عميقة في تاريخ العمل الصحفي بجريدة الرياض ومن ينساها؟ كلنا تعلمنا منها... تحياتي لها ولك..على أمل الحصول على العنوان للتواصل.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 ص.ب 93855
|
|
لما هو آتٍ اليوم معكم.. د.خيرية إبراهيم السقاف |
|