يلتقي مجموعة من الأفراد حول فكرة أو حاجة معينة، يعدونها متميزة ومختلفة عن الأفكار الأخرى. ومن أجل تنظيم هذه الفكرة وتحويلها من أفكار مجردة، إلى أعمال منظمة منتجة، وتفعيلها عملياً بحيث يكون لها أدوات ونتائج وأثر فعال في محيطها الاجتماعي الذي تتطلع إلى خدمته والتأثير فيه، يلجأ هؤلاء الأفراد إلى تكوين كيان منظم، له شخصية اعتبارية، وله نظام وهوية، وحدود وإطار ومرجعية. ومما تعرف المؤسسات به وظيفياً، أنها «كيان يقوم من أجل تنظيم وتفعيل نشاط أعضاء مجتمع أو جماعة، وفق نموذج تنظيمي محدد، وأهداف معينة تعنى بشكل وثيق بتحقيق أغراض محددة، أو بحاجات مجتمع أو جماعة». فالمؤسسات شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي، لها سلطة وفق نظام، وقدرة على توظيف الأفراد واستثمار جهودهم بما يخدم غايات المؤسسات وأهدافها.
ومؤسسات المجتمع المدني عامة، والعمل الخيري تحديداً، يطلق عليها، القطاع الثالث، لما لجهودها من أثر وقيمة، ولما تتسم به من سرعة في الأداء، ولقدرتها على تلبية الحاجات بصورة واسعة منتظمة، ولمرونتها في ممارسة أدوارها. لهذا كله تتعامل المجتمعات المتقدمة مع مؤسسات المجتمع المدني بروح إيجابية وترحيب، وإيمان وتقدير، ومرونة في التعامل، وفتح الأبواب أمام عملها واسعاً، وفق سياسات محددة، وأغراض واضحة، وآليات عمل منضبطة، وهي بهذا تتمتع بحرية كاملة، وفاعلية مستدامة متجددة العطاء والنمو.
في الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة للرؤية المؤمنة بأهمية العمل الخيري، احتلت مؤسسات المجتمع المدني مكانة مرموقة، حيث بلغ عدد المؤسسات النشطة (1.514.972) منظمة وجمعية خيرية، ويتم الترخيص يومياً لحوالي (200) جمعية، تخدم (11) مليون فرد، وبميزانية تقدر بـ(212) مليار دولار سنوياً، كلها يعمل بصفة تطوعية في المجالات الإنسانية الخيرية عامة.
وفي الكيان الصهيوني، كان عدد الجمعيات التطوعية عام 1999م حوالي (27.000) جمعية ومؤسسة خيرية، وتزايد عددها حتى بلغ في عام 2007م حوالي (40.000). ولهذه المؤسسات علاقة وثيقة، وتواصل مستمر مع الحكومة الصهيونية، حيث تشتري الحكومة بعضاً من الخدمات التي تقدمها المؤسسات الخيرية، بقصد مزيد من الدعم الاقتصادي، والمساعدة في توفير فرص العمل وخدمة المحتاجين. ليس هذا فحسب بل إن نشاط هذه المؤسسات امتد إلى خارج الكيان الصهيوني ليشمل كافة القارات، ولتمارس أدواراً مزدوجة تعنى بالتواصل مع المحتاجين وتوثيق العلاقة بالكيان الصهيوني وجمع التبرعات له.
اللافت للنظر أن عدد فروع واحدة من المؤسسات الخيرية مثل «كير، المجتمع المفتوح، يونايتد ويز، يونشي، الرؤية» وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني في أمريكا والكيان الصهيوني، يفوق عدد كل المؤسسات الخيرية في العالم الإسلامي مجتمعاً، وهنا يتبادر التساؤل التالي: لماذا التضييق على مؤسسات المجتمع المدني في المجتمعات الإسلامية؟
قد يظن البعض أن السبب الرئيس يعود إلى التضييق السافر الذي يمارسه الغرب على المؤسسات الخيرية الإسلامية نتيجة لما تمخض عن أحداث 11 سبتمبر، وهذا ليس صحيح، فلا ريب أن الغرب مارس وما زال يمارس وأخص أمريكا كامل قدرته وسلطته من أجل التضييق بل إقفال كل ما يمت للعمل الخيري الإسلامي بصلة، وأضحى هذا النشاط في نظرهم محضن الإرهاب، والداعم له، صاروا يتوجسون منه ويخافونه، ويلاحقون كل منتم له ساع فيه بحجة أنه داعم للإرهاب، صانع له.
استسلم البعض لهذا الخطل، وهذا التجبر، وسلم الأمر للغرب وأمريكا، يتحكمون فيه كيفما شاؤوا، وبالصفة التي يقررونها، وغدا العمل الخيري ونشاطه مظنة لكل سوء، وبهذا انكمش وجفت منابعه ومصادره، فهل يتحمل الوزر الغرب وحده، أم أن هناك جهات أخرى تشاركه وتتحمل الوزر معه؟.
للحديث بقية.
|
|
أما بعد فوبيا القطاع الثالث 1 ـ 2 د. عبد الله المعيلي |
|