تعرض الشعب الباكستاني الشقيق، لكارثة إنسانية فوق الوصف. الفيضانات المدمرة، ضربت أجزاء واسعة من الأراضي والمدن والقرى. الرئيس الباكستاني (آصف علي زرداري) قال:
(بأن بلاده قد تستغرق ثلاث سنوات أو أكثر للتعافي من الفيضانات المدمرة التي خلفت ملايين المشردين). الأمم المتحدة قالت من جانبها، بأن (نحو ثلث باكستان قد تأثر نتيجة ثلاثة أسابيع من الفيضانات، وأن أكثر من أربعة ملايين شخص، أصبحوا بلا مأوى أو كساء أو غذاء).
في ظرف عصيب كهذا، ومحنة لم تعهدها دولة الباكستان منذ قرن أو أكثر، كان من المفترض أن يتغلب الباكستانيون أنفسهم على أنفسهم، وأن ينتصروا لشعبهم ولأهلهم ومواطنيهم الذين وقعوا ضحايا للفيضانات، وأن يكونوا جميعاً في مستوى التحدي الذي تتعرض له بلادهم، قبل أن يهب العالم لمساندتهم ومساعدتهم. أعني طالبان باكستان تحديداً، أو أولئك القتلة الذين يظنون أنهم يجاهدون في سبيل الله ضد حكومتهم وشعبهم وأهلهم، وأنهم بما يرتكبون من جرائم قتل وحرق وتفجير وتدمير في شمالي ووسط الباكستان، سوف يدخلون الجنة بغير حساب، وسوف يحظون بالحور العين..!
كان العالم كله في الشهرين الفارطين، يتلقى أخبار ضحايا الفيضانات المفجعة، ويتلقى في الوقت نفسه، أخبار القتل والتفجير الذي تمارسه طالبان باكستان حتى في مناطق الفيضانات، وهي مفجعة أكثر. لم يكف الإنسان الباكستاني البسيط ما يواجهه من فقد للأنفس والممتلكات في المياه الهادرة، ولا غائلة الجوع وضبابية المستقبل، حتى يجد نفسه في مواجهة مع قتل متعمد باسم الدين والجهاد في سبيل الله. إنه الاستغلال البشع الذي أشار إليه الرئيس الباكستاني في تصريح لصحيفة (اندبندنت) البريطانية. قال: (إن المتشددين قد يستغلون الأزمة. إن مثل هذه المنظمات وهؤلاء الأشخاص، يستغلون هذه الأزمات الإنسانية. التحدي مرة أخرى، أن لا نسمح لهم باستغلال هذه الأزمة الإنسانية). وفي إشارة إلى تصعيد طالبان الباكستان مستغلة أزمة بلادها قال: (الجيش لم يترك مواقعه على طول الحدود. ربما احتمى من الفيضانات. الجنود سيكونون هناك. القتال مستمر على جميع الجبهات. إذا كنت تقاتل من أجل قضية، وأصبحت المعركة أكبر وأضخم، فلن تستسلم).
كان الشعب الباكستاني فيما قبل الطوفان، أمام قضية واحدة ؛ هي القتل اليومي ل (ماليشيات طالبان المتطرفة)، ثم أصبح أمام قضيتين في وقت واحد: طالبان والفيضان..!
قرأت على مدى أربعة أسابيع مضت، تصريحات لكبار المسئولين الباكستانيين، وفي مقدمتهم الرئيس الباكستاني نفسه. كانوا يشيدون بموقف حكومة وشعب المملكة العربية السعودية في وقت شدتهم، ويثمنون وقفة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لدعم صمودهم وتعزيز ثباتهم، وخاصة الجسر الإنساني الجوي غير المسبوق دولياً، وحملة التبرع الكبرى التي تدلل من جديد، على أن (عبد الله بن عبد العزيز)، هو ملك الإنسانية، وأن مملكته هي مملكة الإنسانية، وأن شعبه هو شعب الإنسانية بحق وصدق.
وعلى هامش ما تعرضت له الباكستان من كارثة مدمرة، وما جرى لدينا من تعاطف ومؤازرة معهودة في مثل هذه المواقف، إلا أن الخطاب الذي يوصف بأنه (ديني)، ظل ساكناً وسلبياً إلى حد ملحوظ ومريب، فلم نشهد ذلك الاستنفار الذي عهدناه فيما مضى مع كوارث ومحن، حاقت بشعوب عربية وإسلامية أخرى، ليس فيها طالبان ولا خاربان..! ولولا الموقف الرسمي للدولة، ومؤازرة وسائل الإعلام السعودية كافة، لما عرف كثير من الناس بما جرى في هذا البلد الإسلامي الشقيق. بل إن (البعض) من منابر هذا الخطاب، ظل وما زال يدعو في خطابه ب (النصر للمجاهدين في الباكستان).. هكذا..!! وهو دعاء مضاف لمجاهدين مفترضين في: (العراق وأفغانستان والصومال)، والصومال جديدة على بنية هذا الخطاب -بعد الحادي عشر من سبتمبر المشئوم- كما شهدنا وسمعنا، وهذا موقف سلبي، ويهمش الدور العظيم الذي تنهض به الدولة على كافة مؤسساتها في الداخل والخارج، لتعزيز وتوثيق صلاتنا بالدول العربية والإسلامية أولاً، خاصة وأن بين ظهرانينا إخوة من باكستان، ومن العراق والصومال وغيرها، يصلون في جوامعنا، ويسمعون مثلنا مفردات هذا الخطاب الشاذ، الذي يأتي من فئة قليلة شاذة، ولكنها تعبر عن تعاطفها مع الإرهاب والتطرف في أنحاء كثيرة من العالم، وكافة القتلة من طالبان والقاعدة، سواء كانوا في الباكستان أو في العراق والصومال وأفغانستان وغيرها، هم عنوان عريض للإرهاب والتطرف، وينبغي أن نستأصل مفردات هذا الخطاب الطالباني المتطرف من كافة المنابر والمحابر، حتى لا يبقى قلم واحد، ولا خطيب واحد في بلادنا، يهدم ما تبنيه الدولة وشعبها، من جسور للمحبة والتسامح والتعاون مع كافة الشعوب العربية والإسلامية والعالمية.
assahm@maktoob.com
|
|
باكستان.. في مواجهة (الفيضان وطالبان)..؟!! حمّاد بن حامد السالمي
|
|