في أرقى درجات التكريم والتقدير، دخلت امرأة سعودية للديوان الملكي مع مجموعة من المواطنات وقد فتحت لهن البوابات الملكية دون توجس أو تشكيك، أو كثير من الرقابة والتفتيش، بل استقبلن في الديوان الملكي الذي يُستقبَل فيه الملوك والرؤساء والوفود الرسمية الدولية.
جلستْ تلك المرأة على ذات المقاعد، وتناولتْ العصير بتذوق وطمأنينة عبر ضيافة ملكية رائدة تتناسب ومقام المضيف خادم الحرمين الشريفين، وتليق بتلك السيدة المواطنة، لا بما تحمله من أوسمة ونياشين ساحرة أو مناصب إدارية رفيعة، أو إنجازات وظيفية باهرة أو مستوى اقتصادي كبير! لكنها على يقين أنها تتشرف بكونها مواطنة بسيطة تحب هذا الوطن بصدق، تعشق ترابه، وتعمل له بإخلاص وتشعر بالانتماء لأرضه والتقدير لرموزه المخلصين.
حين جلستْ تلك السيدة بثقة واطمئنان في الديوان تجاه ذلك الباب الكبير الذي ما لبث أن فُتح فدخل خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد فعمت الهيبة المكان، وسكنته الطمأنينة، واستوطنه الأمن، فعبق به الهدوء وتناثرت ورود الحرية المنضبطة، وتبددت المخاوف من البشر، وتعاظم الإيمان بالله عز وجل، وارتفعت معاني الثقة حين تمت المقابلة وجرى الحديث الأبوي بينهما وهو يثني عليها وعلى عائلتها التي مافتئت تقدم جنوداً مخلصين لهذا الوطن.
وبرغم أنها أمام أكبر سلطة وأسنى مقام لم تطلب منه رفداً وهو الأب الكريم، ولم تستنجد به لرفع ظلم وقع عليها وهو القادر، ولم تشكُ له جور نظام وهو المتنفذ، بل دعت له بطول العمر وأهدت له أعز أملاكها وأثمن مجوهراتها (كتابها الجديد) لتقول له أيها الرجل الصالح ما كان لفكري أن يبزغ في عهدك وفي ظلال الوطن الذي أرسى دعائمه المؤسس الملك عبدالعزيز يرحمه الله لولا انقشاع ظلمة الجهل، وما كان لعلمي أن يظهر لولا زوال ديجور التعصب، وما كان لذهني أن يتوقد لولا تبدد غياهب الوصاية.
وفي ذلك المكان وبرغم ضجيج المشاعر، وصخب الأحاسيس المتلاطمة بين فرحة باللقاء الأبوي الملكي وبين إلحاح حضور ذكريات أسى الماضي الذي عاشته تلك المواطنة حين فقدت والدها وهي طفلة لم تبلغ العاشرة فتكالب عليها حصار اليتم والحيرة وسط بيئة بسيطة وقرية ريفية صغيرة كانت آنذاك تزدري تعليم الفتاة وتنتقصه بحجج كراهة تعليمها تارة وتحريمه تارات! ولم تكتفِ تلك المواطنة بما حصل لزميلاتها من توقف دراستهن على أعتاب المتوسطة، أو وصول بعضهن للثانوية حتى فتح الله للقليل منهن متابعة دراستهن الجامعية في عاصمة المنطقة؛ بينما هي لم تقبل النمطية والتقليدية حين تركت أسرتها وسافرت تلقاء عاصمة المملكة وانضمت لطالبات جامعة الملك سعود بالتحديد التي شهدت أجمل سنوات العطاء والنشاط والانطلاق حين طرقت أكثر من منشط ثقافي ورياضي واجتماعي، وتخرجت لتعود لوالدتها الحبيبة تحمل شهادة مختلفة، واختارت العمل مع فئة المعاقين دون تفكير بتخطيط لإجازة سنوية أو الاستمتاع بعطلة الأعياد!
وعندما أصبحت لها أسرة صغيرة فضلت متابعة شؤون تربيتها، والإشراف على أمور أولادها بنفسها، في حين اكتفت بوظيفة بسيطة وبمسؤوليات أقل، مشيحة بوجهها عن كل منصب قد يشغلها عن مهمة الأمومة اللذيذة. وبرغم ذلك كابدت محاربة الفساد في عملها، وكان ثمن الحرب غالياً دفعته من صحتها واستقرارها وهدوء أعصابها.
وبقيت الكتابة والقراءة والبحث والاطلاع تشاطر أبناءها الاهتمام والعناية. وكان الهمّ الوطني يشغلها كثيراً بل قد تستيقظ فجأة من النوم لتكتب رأياً لمسؤول، أو تنقل له هموم مواطن تتقاسمها معه فتكتبها بدمها حين يعز الحبر!
وكانت الصحافة هي البوابة التي فتحت لها الآفاق فمنحتها فكرها وعطاءها، فهي تكتب لتحقيق هدف أو تأصيل مبدأ أو إضاءة طريق كما أعطتها الصحافة الثقة والانطلاق. وكانت ترى نفسها قطرة في بحر الوطن وتتمنى أن تصبح جدولاً يصب في بحاره.
لم تخرج تلك المواطنة صاحبة (المنشود) من الديوان الملكي إلا وهي بكامل الرضا ومنتهى الامتنان لهذا الملك الغالي ولهذا الوطن الحبيب، وهي تتلو الآية الكريمة
(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى).
فقد التقى الجدول مع البحر برغم بُعد مسافة المنبع!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com
|
|
المنشود امرأة في الديوان الملكي رقية سليمان الهويريني |
|