استلمت رسالة إلكترونية من مقيم عربي شمالي، كما وصف نفسه، يقول فيها: في مقالك المنشور بجريدة الجزيرة وموقع العربية بعنوان «قال استثمار قال!» قلت: (والحصول على مبلغ ضئيل على كل رأس! أي عن كل عامل سائب ومنفلت)، كعرب نعرف أننا عندما نعد الأغنام والجمال والبقر والثيران نستخدم مفردة (رأس)، فعلى أي أساس إنساني أطلقت مفردة رأس على خلق الله أيها الروائي والمفكر والمثقف؟. الكتابة اليومية الصحفية تستنزف عقل الكاتب وتهبط به إلى مستوى لا يليق بمن يكتب روايات عن الحرية والإنسانية، أنصحك أن تراجع موقفك من الكتابة في الصحف، وماديًا لست بحاجة له كما أعتقد.
كان في مكتبتي بعض من مؤلفاتك، وبعد تعبير (رأس) المستخدم في مقالك طرتُ (رأسًا) إلى المكتبة وأهديت كتبك لمحل بيع الفلافل والتميس جاري، وفي كل مقال ستجد غيري قد يفعل الشيء نفسه.
مع تمنياتي لك بمفردات أقل عنجهية مستقبلاً، مع الحفاظ على حقك في أن تكتب في شؤون بلدك كما يحلو لك، دون امتهان كرامة وإنسانية الآخرين. «انتهى».
كل ما أخشاه، عزيزي المقيم العربي الشمالي، أنك لن تجد جارك، محل «الفلافل والتميس»، لأنه سيكون وقتها في هيئة الاستثمار يرتب أوراقه وخبراته الطويلة في «الفلافل والتميس» ويقدّم نفسه كمستثمر أجنبي!
أما ما أثار حفيظة هذا الأخ العزيز، وغيره من المعلقين على مقالي المنشور يوم الأحد الماضي، وهي كلمة (رأس) فقد كانت كلمة ساخرة وحانقة ممن يستغل هؤلاء الضعفاء من جهة، ويتستر على عملهم بطرق غير نظامية، فأشارتي كانت بلسان من يمتهن كرامة العامل وإنسانيته ويهدر حقوقه، لا بلساني ككاتب!
ولست أمارس عنصرية ما، بقدر ما أحب وطني، وأحلم بأن يصبح الاستثمار فيه مقننًا ومنظمًا كما هو في تجارب الدول المجاورة، بل إنني كنت أرى أن تقدم الدول يرتبط بانفتاحها على الآخرين، وفتح مجال الاستثمار للأجانب، ولكن في المجال التكنولوجي والصناعي والسياحي، وبرؤوس أموال ضخمة، وفرص نمو اقتصادي كبير، وفرص توظيف للمواطنين، أحلم بأن تنتقل التكنولوجيا والصناعة إلى بلادي، أن يكون الاستثمار مفتوحًا للشركات الأجنبية الضخمة، لا للأفراد الأجانب الذين يتحفوننا بخبراتهم في السباكة والنجارة ومواد البناء! فكلنا نعرف أن هذه المحلات، في الأصل، مملوكة لأجانب تحت ستار أسماء مواطنين ضعاف نفوس، يأخذون مرتبًا شهريًا مقطوعًا من هؤلاء!
ليس في الأمر حسد من الإخوة العرب المقيمين بيننا، بل هو غيرة على بلد يحتاج إلى تقنين في مسألة الاستثمار الأجنبي، فما أعرفه عن الاستثمار في أي بلد، هو وجود ضوابط وقوانين تحكم هذا الاستثمار، وما لم يكن هذا الاستثمار قادرًا على دعم الناتج المحلي لهذا البلد، فلن توافق عليه أي حكومة في أي بلد، أما أن تتحول الحِرَف والمهن الصغيرة إلى مشروعات استثمار أجنبي، ومن رأس مال صغير لا ينفع البلد بشيء، إلى أرباح تترجم إلى تحويلات بنكية هائلة إلى الخارج، فهذا «استهتار» لا «استثمار» وأظن أن بينهما فرقًا كبيرًا!
|
|
نزهات فرق بين استثمار واستهتار! يوسف المحيميد |
|