في الأسبوع الماضي سعدت بحضور حفل منح جوائز مؤسسة عبدالحميد شومان في مدينة عمان الجميلة بفروعها الثلاثة: جائزة الباحثين العرب الشبان، وجائزة معلمي العلوم في المدارس الأساسية والثانوية الأردنية،
وجائزة أدب الأطفال. وكان ذلك الحضور السعيد بدعوة كريمة من تلك المؤسسة الموقرة. وكان من كرم المسؤولين فيها، ولطفهم، أن أتاحوا لي الفرصة لأكون بين المتحدثين في الحفل. وقد أضافوا إلى ذلك تكرُّماً آخر بإتاحتهم لي فرصة أخرى بأن ألقي محاضرة في منتدى عبدالحميد شومان الثقافي في مساء يوم الاثنين الماضي.
وكان موضوع المحاضرة (خواطر حول الوطن والمواطنة)؛ وهو موضوع سبق أن تحدثت عن جوانب منه، ونشرته هذا العام بهذا العنوان. ولعلي أستطيع الحديث عنه باختصار، الأسبوع القادم؛ لا سيما ما لم يسبق نشره في هذا الموضوع.
في حفل منح جوائز شومان كانت قضية فلسطين حاضرة. ولم يكن ذلك الحضور بغريب؛ فهي في وجدان كل مخلص لدينه وأمته العربية المسلمة. وكان من هؤلاء المخلصين المعبرين عن إخلاصهم لتلك القضية الشاعر الكبير حيدر محمود، الذي ألقى في الحفل مقاطع شعرية جميلة؛ بينها مقطع بعنوان «زفرة مقدسية»، ومقطع بعنوان «ذات الجناحين». أما المقطع الأول فيتناول ما ارتكبه الصهاينة المجرمون من جرف مقبرة الشهداء في القدس، التي تضم رفات الذين سقطوا من أجل تلك المدينة، وإقامة أولئك المجرمين مكان تلك المقبرة ملاهي ومنتزهات دون مراعاة لما تحمله المقابر من معان لدى كل أصحاب الديانات المؤمنين بدياناتهم. ومن مستهل أبيات هذا المقطع:
إن لم تطاردهم حجارة دورها فلسوف يخنقهم تراب قبورها شهداؤها الأحياء حرَّاس على أحيائها الشهداء فوق صخورها سيعاودون بناء ما هدم العدا وسيخرجون «جدارهم» من سورها وسينتهي الليل الطويل كما انتهت كل الليالي باكتمال بدورها وكم يتمنى كاتب هذه السطور أن يشارك ذلك الشاعر المتفائل تفاؤله.
وختام ذلك المقطع:
عيني على محرابها... عيني على «أبوابها» و»عيونها» وثغورها عيني على زيتونها يبكي على زيتونها فتفيض أدمع «طورها» وأما المقطع الشعري الثاني، الذي هو بعنوان: «ذات الجناحين»، فهو عن الطفلة الغزية التي كان من جرائم الصهاينة المرتكبة ضد غزة هاشم وأهلها بتر ساقيها. وأبيات هذا المقطع كما يأتي:
فِدى لساقيك سيقان الملايين القاعدين بلا دنيا ولا دين والمقعدين.. فلا ريح تحركهم ولا يُحرِّكهم جمر البراكين يا أجمل الملكات الجالسات على عرش من الشوك أزرى بالرياحين يغار منك الرضا.. والصبر قال لنا:
تَعلَّموني من الصبر الفلسطيني «ذات الجناحين» طيري في السماء فما يليق بالطهر أن يمشي على الطين هذا المقطع المعبِّر تعبيراً رائعاً عن مشاعر قائله الكبير تجاه ما ارتكب ضد تلك الطفلة الفلسطينية الغزية، التي شاهد عظمتها وروعتها من تابع مقابلتها في وسائل الإعلام المرئية، يذكر بأبيات جميلة معبرة أروع تعبير وردت في قصيدتين للشاعر الكبير الدكتور غازي القصيبي، رحمه الله. والقصيدة الأولى عن جريمة الصهاينة، التي ارتكبت بقتل الطفل محمد الدرة. ومن أبياتها:
يا فِدَى ناظريك كُلُّ بيانٍ بِمعاني هَواننا يَتوقَّدْ يا فدى ناظريك كل زعيم حظُّه في الوغى أدان ندَّد يا فِدَى ناظريك كل اجتماعٍ ليس فيه سوى خُضوعٍ يُجدَّد ومسك ختامها:
قد علمنا تَهوَّد البعض منا أَوَلم يَبقَ معشر ما تَهوّد؟ وأما قصيدة الشاعر الراحل غازي الثانية فعن الذين يفدون أوطانهم بأرواحهم، متضمنة رده على أولئك الذين يُسمُّونهم انتحاريين. ومن أبياتها:
يشهد الله أنكم شهداء يشهد الأنبياء والأولياء انتحرتم؟ نحن الذين انتحرنا بحياة أمواتها الأحياء قد عجزنا حتى شكا العجز منا وبكينا حتى ازدرانا البكاء ورَكَعنا حتى اشمأز رُكوعٌ ورَجونا حتى استغاث الرَّجاء وشكونا إلى طواغيتِ بيتٍ أبيضٍ مِلءُ قَلبه ظَلماء أيها القوم نحن متنا ولكن أنفت أن تَضمّنا الغبراء ومن تلك الأبيات:
قل لآيات: يا عروس العوالي كل حُسْن لمقلتيك الفداء تلثم الموت وهي تضحك بشراً ومن الموت يهرب الزعماء وكان ختامها:
حين يدعو الجهاد لا استفتاء الفتاوى - يوم الجهاد - الدماء رحم الله غازياً، وبعث في أمتنا، قادة وشعوباً، روح الكرامة والحياء.
|