الأمن والتنمية، الخزن الإستراتيجي، التنمية الزراعية، والمياه كانوا محاور المقالتين السابقتين التي هدفت من خلالهما إلقاء الضوء على بعض احتياجات الوطن في يومه المجيد، وبما يزيد من استقراره، قوته، منعته، ازدهاره، وتطوره. نتحدث اليوم عن «القنبلة السكانية» الموقوتة، وأثرها في التنمية، وقدرتها على التأثير السلبي في مستقبل البلاد والعباد، بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى.
كشفت دراسة حديثة بأن المملكة العربية السعودية تحتل أحد المراكز الخمس الأول عالميا من حيث التناسل، وهي أحد أكبر الدول العربية من حيث الزيادة في عدد السكان، وبغض النظر عن دقة الدراسة، خاصة مع انخفاض معدل نمو السعوديين وفق التعداد السكاني الأخير إلى 2.20 في المائة مقارنة بـ 2.50 في المائة لفترة التعداد الماضية، إلا أن النمو السكاني في المملكة بات مقلقا لواضعي إستراتيجيات التنمية. زيادة معدل النمو الإجمالي للسكان يعني أن النمو الأكبر جاء من غير السعوديين حيث قاربت نسبة نمو غير السعوديين 5.4 في المائة سنوياً. وأيا تكن الزيادة، فالنمو السكاني الإجمالي بات يهدد الخطط التنموية الإستراتيجية التي يبدو أنها لم تصل حد الكفاية مقارنة بعدد السكان، والنمو المتوقع.
زيادة عدد السكان مع الجودة، والوفرة الاقتصادية، والعمل والإنتاج هو أمر محمود ولا شك، وهو ما يقود إلى تنمية الإنسان، وعمارة الأوطان، ويبعث على الرُقي والتقدم، إلا أن زيادة العدد مع تدني الكفاءة، وضيق العيش، ومواجهة الندرة بأشكالها المختلفة، يُثقل من كاهل المجتمع، ويقود إلى خلق الكثير من المشكلات التنموية، الأمنية، و الاجتماعية. الأرزاق بيد الله سبحانه وتعالى، هو مدبر الأمور، يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدر، وهو بكل شيء عليم، إلا أن نعمة العقل تقودنا إلى التدبر والتفكر وحسن التخطيط للمستقبل، فَقِلَةٌ فاعلة، خيرٌ من كثرةٍ جاهلة، والبركة مقدمة على العدد والكثرة، نسأل الله البركة.
ضبط النمو السكاني، والتخطيط الأمثل في الجانب الأسري، وتثقيف المجتمع بأهمية تنظيم النسل، ومردوده الإيجابي على حياة الأسرة وقدرته على تهيئة سبل تحقيق الرعاية القصوى لأفراد الأسرة وبذلك المجتمع بات أمرا ملحا مع ظهور الكثير من المشكلات الإجتماعية والاقتصادية. كيف يمكن لأسرة تتكون من 12 فرداً السُكنى في شقة مكونة من ثلاث حُجرات صغيرة؟؛ لا أفترض، بل أنقل واقع كثير من الأسر الفقيرة التي يتجاوز متوسط عدد أفرادها الثمانية. إشباع فما واحدة أسهل بكثير من إشباع ثمانية أفواه، مع إيماننا التام بأن الله هو الرزاق الكريم، وتربية الطفل الواحد وتعليمه التعليم الأمثل أكثر كفاءة من بعثرة الجهود على أطفال عشرة لا تفصلهم عن بعضهم سوى سنتين، أو ربما تماثلوا في الأعمار بسبب التعدد. الغريب أن تكشف الإحصائيات الموثوقة عن زيادة كبيرة في نسبة التكاثر في الأسر الفقيرة، وانخفاض حاد لدى الأسر الغنية، المتعلمة منها على وجه الخصوص!، وهو ما يزيد من حجم المشكلة.
لم تعد الحياة كما كانت سابقا، فمتطلبات العيش أصبحت أكثر قسوة، وأشد إيلاما؛ وتربية النشء وتعليمهم والمحافظة عليهم بات جهادا حقيقيا يفني الإنسان عمره للخروج منه بأقل الخسائر، والله المستعان.
قيل لأعرابي فقير، هل تود لو أن لك من الأبناء عشرة، يُعينونك؟ قال، والله لفرحتي بمقدمهم، وعيشي معهم بيسر وهناء لا يَعدِلُ عندي بكاء أحدهم جوعا ليلة واحدة. لم يعد الجوع هو الهم الأول في وقتنا الحالي، فالتربية، التعليم، المتابعة، السُكنى، الخدمات، فرص العمل، ومواجهة أخطار المجتمع باتت من المعوقات التي تفرض على الوالدين التفكير فيها مليا قبل التوسع في الإنجاب، وتستدعي من الدولة وضع الخطط الإستراتيجية الكفيلة بضبط النمو السكاني بما يحقق التناغم الأمثل مع النمو الاقتصادي، والتوقعات المستقبلية.
النمو السكاني أحد أهم العناصر التي يعتمد عليها في إعداد خطط التنمية، وأي انحراف في التوقعات قد يقود إلى نتائج كارثية. هذا من جانب، ومن جانب آخر فمن المفترض أن يكون هناك تناغم بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي لضمان توفير الحياة الهانئة للمواطنين. يعتقد المختصون في شؤون التنمية أن من الواجب أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي ثلاثة أمثال النمو السكاني، وهو ما يفرض تحقيق التوازن الأمثل بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي للحد من المشكلات الاجتماعية الاقتصادية المختلفة. وعطفا على النسب المعلنة نجد أن نسبة النمو السكاني غير متناغمة مع نسبة النمو الاقتصادي المحددة بـ 3.5 في المائة وهي نسبة تقل بكثير عن الحد الأدنى المقبول، و المتوافق مع نسبة النمو السكاني. نسبة النمو السكاني تجاوزت في مجملها النسب المتوقعة ما أثر سلبا على الخدمات المقدمة، وأدى إلى ظهور قضايا سكانية جديدة يصعب التعامل معها والقضاء عليها خلال عقد من الزمان، وإذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فمن المتوقع تعاظمها وتحولها إلى معضلة أزلية يصعب حلها. إذا لم ننجح في زيادة نمو الاقتصاد بنسب تفوق نسب النمو السكاني، وزيادة الدخل من القطاعات غير النفطية، وخلق الوظائف، وتوفير الخدمات، والقضاء على مشكلتي الفقر والإسكان، فيمكننا على الأقل التحكم في نسبة النمو السكاني الإجمالي للخمس سنوات القادمة، والعمل بجد لتحسين الوضع العام، وزيادة الإنتاجية، وحل المشكلات الاجتماعية، ومحاولة التعامل الحذق مع مكونات الاقتصاد للوصول بها إلى مستوى الكفاءة الكلية المحققة للأهداف التنموية.
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM