عبارة مرت بعيني في حافة ورقة التقويم السفلي تقول: (الصبر زهرة لا تنمو في جميع الحدائق).., ذهبت أتأمل رقة الذي أطلقها، على ما في الصبر من صعوبة، وقسر كبير للنفس أن تتجاوز، وتحتوي، وتتناسى، وتتحمَّل، دواعيه.. وعلى ما جُعِلَ من مثوبات للصابر تؤكد ثقله، ومتطلباته، من الإيثار على النفس، ومن التغاضي عن حقها، حتى التغاضي عن نبضها.., وتخيلت تلك المنازل العليا لمن يستطيعه، ويقدر عليه..
فالصبر إذن شجرة وارفة نائفة، عميقة الجذور، صلبة الجذوع، والأغصان والفروع، منبسطة الأوراق، تحمل الأعباء، وتخفِّفها، وتصد الريح، وترطِّبها، وتطعم الأمل وتوسِّعه، وتدرُّ ثمارَها على حجرات القلوب، وتبلسم برويِّ طعمها جروحا غائرة، وتمدُّ بطولها دروب الخيال الأمن, في آت أجمل وأيسر وأطيب...,
شجرة تحمل في أعاليها أعشاشا من آمال المتجاوزين، والصامدين، وأقوياء الجنان، وطيبي الروح، والرضِّيين السموحين، والراضين العافين، ومن يهوِنون المصائب بصبرهم, ويقيلون وعثاء الدروب بعضد أرواحهم الطيبة، فتظللها أشجار الصبر فيهم، والنازلين بقوافل حمولاتهم منابع السقيا بالكظم، تمدِّ على طول مساحات أفيائها لهم الراحة، والسكينة والطمأنينة..
شجرة الصبر ليست زهرة، لكنَّها تنفح زهورَها أشذاءً، تعطر أرجاء دواخلهم, وآماد روآهم، وصفحات رؤيتهم..,.. وتمرِّر حياتهم في هدوء.
إنه، رفيق رقيق ذلك الصَّبور, الذي اقتطف من هذه الشجرة النائفة الوارفة زهرة.., ورضي بها متعةَ أمل، فكتب تلك العبارة، جاعلا من الصبر زهرة،...
لكنه كان فردا في قوافل مدى سير شجرتها، مستظلا بفيء عرائشها,
هذه الشجرة.. غرسها في النفس.., وطلعها لذة للمقوين بنور نارها...