لن أضيف جديداً لو قلت إن (شركة سابك) أحد الصروح الصناعية المتقدمة التي نفخر بها في المملكة، ليس في مجال التصنيع، والاستغلال الأمثل لثروات بلادنا الطبيعية، وتحويلها إلى منتجات صناعية فحسب، إنما في كونها -أيضاً- واحدة من أهم الشركات التي ساهمت في التنمية البشرية، وصناعة الإنسان القادر على الإنتاج والعطاء ومواكبة ما تتطلبه مسيرة التنمية. غير أن مساهمة (سابك) في هذا المجال تحديداً، أعني (التنمية البشرية) على وجه الخصوص، اهتمَّت بالرجل، وأهملت المرأة؛ فهذه الشركة العملاقة، حسب ما لديَّ من معلومات، لا يعمل فيها نساء سعوديات بتاتاً؛ أي أنها بيئة ذكورية 100 %؛ فالعاملون فيها داخل المملكة - وليس في الخارج طبعاً - جميعهم من الذكور؛ أي أنها أبعدت المرأة إبعاداً كاملاً من كوادرها في مجال التنمية البشرية؛ وكأن المملكة، والتنمية، والتحضر، هي فقط للرجال، أما المرأة فهي خارج المعادلة تماماً.
الغريب أن أحد أهم مؤسسي سابك، هو الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله -، والدكتور غازي كان رائداً في مجال مناصرة المرأة، والعمل على نيلها لحقوقها الإنسانية، وأهمها الحق في العمل، مثل كل نساء الأرض، ويزخر تاريخه الإداري وكذلك الفكري بكثير من المواقف المساندة لعمل المرأة، وقد عمل بهمة لا تعرف إلا الإصرار في جميع المناصب الحكومية التي أسندت إليه لتحقيق هذه الغاية النبيلة. ولعل من المفارقات المثيرة للأسف أن تكون الشركة التي كان هو أحد مؤسسيها الأوائل هي من تبعد المرأة عن المشاركة بوصفها عاملة في قطاعاتها، وبالذات في المجالات الإدارية من هذه القطاعات.
المرأة السعودية في هذا العهد الزاهر تقدمت كثيراً، وأصبح لها في مسيرة التنمية البشرية مشاركة فعالة؛ فيندر اليوم أن تجد مؤسسة من المؤسسات الحكومية، أو الشركات الخاصة، لا تعمل فيها المرأة بشكل أو بآخر، هذا رغم مطالبتنا بفتح الباب لها أكثر، بل إن كثيراً من المراقبين اليوم، ممن يهتمون بالشأن السعودي، بدؤوا يحكمون على فعالية هذه المنشأة أو تلك، وكذلك أهلية القائمين على إدارتها، من خلال مدى مساهمتها في التنمية البشرية. وغني عن القول أن أيَّ تنمية بشرية لا تأخذ في الاعتبار (مشاركة المرأة) في هذه التنمية، وإتاحة المجال لها لأن تعمل، وتساهم في رقي بلادها، هي بلا أدنى شك تنمية (ناقصة) بالمقاييس التنموية.
أعرف أن المشاريع الصناعية، مثل مشاريع سابك، هي في كل بلاد العالم، يغلب فئة الذكور على فئة الإناث في تركيبة العاملين فيها، غير أن كثيراً من (الأعمال الإدارية المساندة) لمشاريع التصنيع يُمكن أن تشارك فيها المرأة بفاعلية، إضافة إلى أن شركة سابك يجب أن تكون (رائدة) في الارتقاء بالتنمية البشرية مثلما كانت رائدة في انتقال بلادنا من الاقتصاد الريعي (البدائي) إلى اقتصاديات الإنتاج الصناعي؛ فهل يعمد قياديو سابك إلى إصلاح هذا الخلل، ومحو هذا (العيب) الحضاري من مسيرة هذه الشركة، وتؤسس - مثلاً- معهداً باسم (غازي القصيبي) لتدريب المرأة على العمل في المجالات الإدارية المساندة لمشاريع التصنيع في بلادنا؟.. دعونا نرى.
إلى اللقاء