قبل سنوات، وحينما طرح عضو مجلس الشورى د. محمد آل زلفة، موضوع مناقشة قيادة المرأة للسيارة في مجلس الشورى، اعترض بعض «الشوريين» على مجرد نقاش الموضوع، وتم رفض مناقشته، تخيّلوا مجرّد مناقشته فقط كانت مخيفة ومقلقة! إلى درجة أنني -وقت ذاك- أحسست بأن المجلس مؤثر جداً، وأن مناقشة أي موضوع فيه تعني إقراره فورًا!
لا أعرف كيف تذكّرت ذلك، وأنا أقرأ سخط أعضاء المجلس على مؤسسة التقاعد التي تتجاهل التوصيات وتحجب الحسابات، ولا تكترث بأحد، ونسي هؤلاء أننا منذ أكثر من ربع قرن ونحن نسمع عن لجنة تدرس إجراء تعديلات على نظام التقاعد «الديناصوري» دون أن تظهر أي نتائج، إلى درجة أن من توظّف آنذاك مع بداية عمل هذه اللجنة، يفكّر الآن بالتقاعد المبكّر، قبل أن تتفضل هذه اللجنة بطرح نتائج دراساتها العظيمة!
يقول عضو المجلس د.خضر القرشي إن عدم اهتمام مؤسسة التقاعد بتفعيل وتنفيذ أربعة قرارات تتعلق بنظام التقاعد أصدرها المجلس خلال أربع سنوات، هو تحدٍ للمجلس وتجاهل واضح لتوصيات الأعضاء!
وإذا كنّا نعرف بأن صلاحيات المجلس تقتصر على اقتراح نظام جديد، أو اقتراح تعديل نظام نافذ بدراسته، وإذا عرفنا بأن المجلس هو جزء من السلطة التنظيمية أو السلطة التشريعية، مشاركًا بذلك مجلس الوزراء، وأن رئيسه يرفع مقترحاته إلى مجلس الوزراء من أجل اعتمادها وإقرارها، فمن المتوقع ألا تكترث مؤسسة التقاعد بقرارات المجلس التي تنظر إليها بما لا تتجاوز كونها مقترحات!
أحيانًا يشعر المتابع بالأسى، حينما ينشط مائة وخمسون عضوًا، حملوا هموم وطنهم على عواتقهم، يعملون أفردًا أو ضمن لجان المجلس، يقررون مقترحات جميلة ومؤثرة لو تم تنفيذها. لكن تجميدها وإهمالها كما حدث من قبل المؤسسة العامة للتقاعد أو غيرها من مؤسسات المجتمع وهيئاته، يجعلنا كمتابعين نشعر بالإحباط، فضلاً عن الشعور المتوقع لهؤلاء الأعضاء الذين نشرت الصحف بعض سخطهم على تجاهل مقترحاتهم وقراراتهم.
فإن يوجد عجز في معاشات المتقاعدين يبلغ أربعة مليارات ريال، في مقابل أن زيادة الـ 15% في معاشات المتقاعدين لا تكفي أمام ازدياد المستوى العام للأسعار، وارتفاع مستوى المعيشة!
وأن لا يستفيد من برنامج الإسكان الذي طرحته المؤسسة سوى 229 متقاعد!
وأن لا تتحرك المؤسسة لتأمين الفرص التعليمية لأبناء المتقاعدين في ظل ندرة فرص التعليم الجامعي الحكومي!
وأن لا يجد الإنسان «الموت قاعد» الرعاية الصحية له، سواء حينما كان موظفًا حكوميًا، أو حينما صار متقاعدًا!
فإن كل ذلك مما يؤلم ويغيظ، فما معنى أن تخدم في الحكومة أربعين عامًا، تطحن وتطحن، وتفقد كل الفرص الوظيفية المهمة، وذات الدخل العالي في القطاع الخاص، فقط لأجل خاطر عيون السيد النبيل والشهم «التقاعد»؟!
لتكتشف بعد كل ذلك، أن هذا السيد الذي ظننته نبيلاً، واحتفظت به ذخرًا، قد أدار لك ظهره، ومضى آخذًا معه الأخضر، تاركًا لك اليابس الذي لا يكفي لأن يسد حاجة اللقمة الكريمة، بل إنك حين تموت، سواء قاعدًا أو واقفًا أو حتى «مستلقيًا»، ستكتشف أن من بذلت لأجله الغالي والرخيص، قد قسّموه على ورثتك ضمن شروط مخيفة، ثم يتناقص كل عام، وتطير منه شظية مع كل توظيف لأحد ورثتك، دون أن تعاد للآخر الذي ما زالت تنطبق عليه الشروط، حتى لا يبقى سوى الفتات!