Tuesday  28/09/2010 Issue 13879

الثلاثاء 19 شوال 1431  العدد  13879

ارسل ملاحظاتك حول موقعنا     نسخة تجريبية
   
     

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

عزيزتـي الجزيرة

 

د. الراشد يرد على د. الطريقي ويؤكد:
حساسية المصطلحات ينبغي أن لا تغفل أعيننا عن الجوهر

 

ونحن نحتفي بكل الفرح والسرور عيد الفطر المبارك، ونتابع ما تبثه وسائل الإعلام عن أفراح العيد في مختلف أرجاء الوطن، تفاجأت بالمقابلة المطوّلة التي نشرتها جريدة الجزيرة، في عددها الصادر يوم الجمعة 1 شوال 1431هـ (10 سبتمبر 2010م) في صفحة (آفاق إسلامية) مع الدكتور عبد الله الطريقي، وتوّجت المقابلة بعناوين عريضة منها « ليس في الإسلام شيء اسمه (السياحة الدينية)»!! «الآثار القديمة ليست مما يعظم والشعائر المقدسة عظمها الإسلام» و»لا يليق إطلاق لفظ (سائح) على الحاج والمعتمر أو الزائر». ومما قاله الدكتور الطريقي: «السياحة ذات طابع دنيوي ترفيهي فأبعدوها عن مكة والمدينة» و»الحجاج والمعتمرون (وفود الله) وليسوا سياحاً». وقد جاءت تلك العناوين ضمن عدد من الأسئلة أجابها الدكتور الطريقي على صفحة كاملة، تتعلق بمعنى السياحة ومفهومها وأهدافها، وأورد في إجاباته عدداً من المفاهيم والأهداف عن «السياحة التي نريدها» التي يطرحها أمام المعنيين بالسياحة في بلادنا وذلك انطلاقاً من كونه مواطناً (كما يقول).

هذه المقابلة جاءت وأبناء الوطن قاطبة يحتفلون بعيد الفطر المبارك، وتستعد فيه كافة مناطق المملكة للتعبير عن فرحتها بهذه المناسبة السعيدة، وما تحمله من برامج وفعاليات جميلة وجاذبة شاركت فيها العديد من الجهات الحكومية والأهلية والأفراد، وفي مقدمتهم الهيئة العامة للسياحة والآثار، وذلك انطلاقاً من مسئوليتها الرسمية في التخطيط للسياحة الواعدة في المملكة. ومع تقديري الشخصي للدكتور الطريقي (الأستاذ في المعهد العالي للقضاء) ولجريدة الجزيرة، فقد أحببت توضيح بعض النقاط بهذا الخصوص حتى لا يلتبس الأمر على من قرأ المقابلة وما اشتملت عليه من أفكار ومضامين في ظني تحمل شيئاً من المغالطة والتشويش على توجُّه السياحة في بلادنا وأبعادها على المستوى الوطني والدولي. ومداخلتي تنطلق لا لكوني مواطناً فحسب بل بصفتي معنياً بالسياحة ومطلعاً على خطوات تطويرها على مدى سنوات طويلة حتى أصبحت السياحة أمراً واقعاً، ومطلباً مهماً بدأ المواطن والمقيم والزائر يلمس ذلك الدور بشكل جلي.

- حاول الدكتور الطريقي تفسير معني (السياحة) من حيث المصطلح والمفهوم والدلالة اللغوية والشرعية، وأشار إلى بعض الآيات القرآنية التي وردت فيها الكلمات الدالة على السياحة ومنها: «فسيحوا» و»السائحون»، واستشهد بتفسيرات كل من ابن كثير والشيخ عبد الرحمن بن سعدي.

وعرج الدكتور الطريقي بالقول إنّ السياحة عرفت عند المسلمين باسم «السفر، أو السير في الأرض» حيث كان المسلم « يجوب الآفاق وبخاصة في ديار الإسلام الواسعة، طلباً للعلم، أو التجارة، أو من أجل الجهاد، أو الاعتبار والادكار»، كما أشار إلى أن السياحة عرفت عند علماء المسلمين باسم « الرحلة في الطلب، حيث كانوا يتنقلون من مدينة إلى أخرى لذلك القصد، وكانوا يحثون عليها ...»، ويقول كذلك «ولم يكن أولئك العلماء يسيحون في غير هدف، أو من أجل التعبد، وإنما وقع في هذا بعض العباد والزهاد والمتصوفة الذين لم يرسخ العلم في عقولهم وقلوبهم، أسوة بالأمم السابقة الذين شاعت عندهم الرهبانية والسياحة في الأرض كالنصارى».

- يستخلص الدكتور الطريقي أن «مفهوم السياحة تطور في العصر الحديث بحيث لم يعد مرتبطاً بالدين والعبادة، بل أصبح من الشؤون الدنيوية العادية

» ويعرج إلى التعريفات الموضحة لمعنى «السياحة» عند المجمع العلمي بالقاهرة وما ورد في الموسوعة العربية الميسرة والتي تعرف السياحة بأنها: «التنقل من بلد إلى بلد طلباً للتنزه أو الاستطلاع والكشف» وأغراض أخرى منها «حضور الاجتماعات الدولية والسفر للعلاج والتجارة». ولم يوضح الدكتور الطريقي الفئة المستهدفة من الناس الذين تنطبق عليهم هذه التعريفات هل هم العرب والمسلمون قاطبة؟ وهل مفهوم «التعبد» مشمول في هذه التعريفات أم لا؟

- يستخلص الدكتور الطريقي من واقع السياحة في دول العالم الأغراض الأساسية للسياحة وهي: سياسية واقتصادية وترفيهية، ولكل من هذه الأغراض الثلاثة يعرض الدكتور الطريقي المقوّمات التي ساعدت على نجاحها.

- يعرج الدكتور الطريقي على السياحة في المملكة، وأنها تتميز بخصائص وسمات تنفرد بها عن معظم بلدان العالم، ومنها: خصائص جغرافية (مكانية) ويقصد بها وجود الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة والمساجد والمقابر المأثورة, وخصائص (سكانية) و(اجتماعية) و(دستورية - حاكمة) و(فكرية)،

- أسهب الدكتور الطريقي في توضيح خصوصية المملكة الدينية والجغرافية ووضحها حسب ما يراه في إحدى عشرة نقطة وأن «أبرز مقصد للقادمين إلى هذه البلاد من خارجها هو الحج والعمرة أو زيارة المسجد النبوي الشريف».

- قال في الفقرة (4) «أنه لا يوجد في هذه البلاد مسارح ونواد ليلية على غرار ما هو موجود في أكثر بلاد العالم، ولا سيما العالم الغربي، الذي يحيي ليله بالسكر والعهر والرقص» وفي الفقرة (5) «كما لا يوجد شواطئ بحرية تجمع أراذل الناس وأوباشهم من الجنسين في صور وأزياء مزرية».

- يقول الدكتور الطريقي في الفقرة (8) «أن النظرة إلى الآثار الموجودة في المملكة لا تنطلق من منطلق التعظيم والتقديس، كما هو الشأن عند بعض ذوي الاتجاهات المنحرفة، بل إنها مثل غيرها من المعالم، وأما ما يقدس فهو المشاعر في مكة والمدينة مما قدسه وعظمه الملك القدوس جل ثناؤه».

- طرح الدكتور الطريقي عدداً من الأهداف لرسم خارطة للسياحة المأمولة في بلادنا وحددها في ستة أهداف (اجتماعية - سياسية - اقتصادية - توعوية «دعوية» وترويحية).

- وضع الدكتور الطريقي خمس نقاط مهمة في رأيه حول المطلوب في التخطيط السياحي في المملكة ومجملها:

- ليس في الإسلام ما يسمّى بالسياحة الدينية.

- ليس هناك شيء معظّم ومقدّس غير ما عظمه الله وقدسه، والآثار القديمة ليس مما يعظم.

- الشعائر والمشاعر المقدسة التي عظمها الإسلام ليست في حكم الآثار.

- لا يليق إطلاق اسم (سائح) على من قصد الحج والعمرة والزيارة حيث لا علاقة بين عمل السائح وعمل الحاج والمعتمر والزائر.

- أنه « إذا أخذنا بمبدأ (لا مشاحة في الاصطلاح) وأطلقنا مصطلح (السائح) على كل من قدم هذه البلاد بغضّ النظر عن مقصده الأساس، فالذي يتعيّن هنا فك الارتباط بين السياحة والحج والعمرة والزيارة بحيث تكون السياحة منفصلة تماماً عن شعائر الحج والعمرة والزيارة بمعنى أن السياحة تمارس مهنتها بعيداً عن جو مكة والمدينة»، وعلل ذلك أن «السياحة ذات طابع دنيوي وترفيهي، وهو لا يتمشى مع مقاصد الحج والعمرة والزيارة» ويعتقد الطريقي أن «دمجها سيكون على حساب العبادة حيث يتعكر جوها بغبار الدنيا وبهرجتها».

تلك كانت أبرز النقاط التي أشار إليها الدكتور الطريقي في حديثه المطوّل عن السياحة ومفاهيمها وأهدافها والتخطيط لها. والذي يظهر لي بوضوح الآتي:

1- أن الدكتور الطريقي غير مطلع البتة على واقع السياحة في بلادنا اليوم، وليس من المتابعين للمشاريع التي تضطلع بها الهيئة العامة للسياحة والآثار، ودورها الكبير في التنسيق مع كافة أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة وشركائها في القطاع الخاص والأفراد، بل فيما يبدو لي أنه بعيد عن الإعلام المرئي والمسموع والمقروء المحلي والأجنبي، الذي يضخ مواد إعلامية تعريفية وتوعوية عن السياحة في بلادنا وبرامجها الموسمية وفعالياتها في العطلات والمناسبات الوطنية وغيرها.

2- هناك تعميم وتجنٍّ على كثير من الدول وسكانها وزائريها، ممن وصف شواطئها بأنها «تجمع أراذل الناس وأوباشهم في صور وأزياء مزرية»، وأن «العالم الغربي يحيي ليله بالسكر والعهر والرقص»، والدكتور الطريقي يعلم أن كثيراً من الدول التي عناها، تعد مقصداً لملايين المسافرين من أجل السياحة والتجارة وطلب العلم والمعرفة في مختلف ميادين العلوم والفنون، أو بغرض التطبب والنقاهة، كما أن تلك تأخذ بزمام التصنيع والإبداع والاختراع ناهيك عن القوة والتسيد عالمياً، فهل يجوز أن ننعت تلك الدول بهذه الصفات؟ كما أن لكل بلد قيم وعادات وتقاليد اجتماعية يرون في أعرافهم أنها لا تدخل في قاموس التبذل والانحراف.

3- نقدر شهادة الدكتور الموقر أن الآثار في بلادنا ليست للتقديس، وأضيف أيضاً أن الآثار، تعريفاً ومفهوماً، عند ذوي الاختصاص من أمثالي أنها لا تعظم أو تقدس في كل بلاد العالم، بل هي مصدر للعلم والمعرفة بالتاريخ والحضارة، وتقوم عليها سياحة عالية ذات مردود اقتصادي قوي، كما أنه حسب علمي أنه لا يوجد في بلادنا أناس من أصحاب الاتجاهات المنحرفة ممن يقدسون الآثار.

4- من يقرأ من الباحثين في التاريخ والحضارة الإسلامية - كلام الدكتور الطريقي - سيتبيّن أن هناك تناقضاً في التفسير والتحليل والتبرير من أجل الوصول إلى نتيجة وهو عدم ثبوت وجود مصطلح باسم « السياحة الدينية « وهذا هو مربط الفرس عند الدكتور الطريقي، وهذه هي مشكلتنا عندما يركز البعض على الألفاظ والمصطلحات التي تشكل لهم حساسية مفرطة على حساب الجوهر وما المطلوب تنفيذه على أرض الواقع.

5- نود التوضيح للدكتور الطريقي أن التعريف بالسياحة مصطلحاً على مستوى العالم لم يعد مثار مناقشة أو جدل، فقد حددت منظمة السياحة العالمية التعريف الآتي:

«تشتمل السياحة على نشاطات الأشخاص المسافرين والمقيمين في أماكن خارج بيئتهم الاعتيادية لمدة تزيد على سنة واحدة لغرض قضاء وقت الفراغ أو الأعمال أو أغراض أخرى».

وفي قاموس السفر والسياحة والضيافة ورد التعريف الآتي:

« وتشمل صناعة السياحة من الشركات والمؤسسات التي توفر أماكن الجذب السياحي والمرافق والخدمات للسياح».

6- للأسف الشديد أن بعض المجتهدين مثل الدكتور الطريقي لا يلتفتون إلى ما تصدره الدولة من قرارات وتنظيمات وأنظمة ولوائح عند إنشاء مؤسسات وهيئات حكومية، والتي تخضع قبل إصدارها إلى دراسات متأنية وموزونة ومراجعات دقيقة، وهذا ما تم فعلاً عند تأسيس الهيئة العليا للسياحة.

وحتى يطمئن الدكتور الطريقي على وضع السياحة في بلادنا فإني أذكّره بالآتي:

- قرار مجلس الوزراء رقم (9) وتاريخه 12-1-1421هـ، القاضي بإنشاء الهيئة العليا للسياحة تأكيداً على اعتماد السياحة قطاعاً إنتاجياً في بقاء السائح السعودي داخل البلاد، وزيادة فرص الاستثمار وتنمية الإمكانات البشرية الوطنية وتطويرها، وإيجاد فرص عمل جديدة للمواطن السعودي.

- ونظراً لأهمية الآثار والمتاحف فقد صدر الأمر الملكي رقم أ-2 وتاريخ 28-2-1424 ونصّ على: ضم وكالة الآثار إلى الهيئة العليا للسياحة، وتصبح الهيئة مسئولة عن تنفيذ مهام الآثار إلى جانب مسؤوليتها عن السياحة.

- صدر قرار مجلس الوزراء رقم (78) في 16-2-1429هـ بالموافقة على تنظيم الهيئة العامة للسياحة والآثار.

- صدر قرار مجلس الوزراء رقم 78 وتاريخ 16-3-1429 هـ، ليصبح المسمّى الجديد (الهيئة العامة للسياحة والآثار)، تأكيداً على أن السياحة الداخلية واقع وطني يستلزم قيام الجهات المسئولة بالتخطيط لتطويره وتنميته، انطلاقاً من المقومات السياحية المتميزة التالية:

- نعمة الأمن والأمان التي تتميّز بهما المملكة.

- أصالة المجتمع السعودي المضياف.

- تميُّز الموقع الجغرافي.

- المساحة الشاسعة للمملكة وما تشتمل عليه من تضاريس متباينة ذات مناخ متنوع ومناظر خلابة.

- توفر المواقع الأثرية والتاريخية المهمة، وتميز التراث الثقافي الوطني.

- توفر الخدمات الحديثة والبنية التحتية اللازمة لصناعة السياحة.

وقد كان بإمكان الدكتور الطريقي الاطلاع على الدراسات والبحوث والخطط الإستراتيجية التي أعدّتها الهيئة العامة للآثار والمتاحف، وهي متاحة للجميع من خلال مكتبة الهيئة ومركز المعلومات والعلاقات العامة للإعلام، وبالإمكان الحصول عليها عبر البوابة الإلكترونية للهيئة.

وللتذكير فإنّ الهيئة العامة للسياحة والآثار تتعامل مع الآثار الثابتة والمنقولة وفق نظام الآثار والمتاحف الصادر بالمرسوم الملكي رقم م-26 وتاريخ 23-6-1392هـ ويشتمل النظام التعريف الصريح بالآثار الثابتة والمنقولة وهي التي صنعها وكيفها واستخدمها الإنسان عبر العصور. كما أن الهيئة تعمل وفق مسئوليتها،على تطوير الأنظمة واللوائح الخاصة بالتراث بمفهومه الشامل(الآثار - التراث العمراني - المتاحف) بما يتوافق مع المنهج العلمي الصحيح والمصلحة الوطنية. وتعمل الهيئة على تنفيذ توجيهات وتعليمات الدولة، وهي واضحة ومحددة في توثيق وحماية الآثار الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمحافظة عليها وتطويرها.

وأختم حديثي بالقول إنّ أرض المملكة العربية السعودية تحتفظ بمخزون آثاري وتراثي وحضاري يعود في تاريخه إلى أزمنة بعيدة في جذورها التاريخية ويمتد عبر العصور وحتى وقتنا الحاضر. وأن هذا التراث ليس للتقديس بل رصيد للعلم والمعرفة ومورد للاقتصاد الوطني والعمود الفقري للسياحة الوطنية. وهذا الإرث الحضاري النفيس لا يخضع للاجتهاد في الفتيا أو التأويلات من غير ذوي الاختصاص. فالسياحة صناعة والآثار عِلْم، ويجمعهما قواسم مشتركة في المنهج والممارسة.

ويجب التنويه أنّ الهيئة تشرّفت عند بداية تشكيلها أن يكون أول رئيس لمجلس إدارتها صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز (آنذاك النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء - وزير الدفاع والطيران والمفتش العام) ثم خلفه في رئاسة مجلس إدارة الهيئة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز (النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء - وزير الداخلية). وقد وضعت تحت نظر سموهما (حفظهما الله) جميع الدراسات والخطط الإستراتيجية لتحديد مسار السياحة في المملكة. وسياسة الدولة وتوجيهاتها واضحة في الفصل التام بين السياحة والقادمين للمملكة بقصد أداء الحج والعمرة.

وأنا على ثقة تامة بأنّ الهيئة العامة للسياحة والآثار، ممثلة في سمو رئيسها ومجلس إدارتها ومكاتبها في جميع مناطق المملكة ترحب بالأفكار الهادفة التي تصب في مصلحة السياحة وتطويرها.

والله من وراء القصد،،،

د. سعد بن عبد العزيز الراشد

alrashid.saad@yahoo.com
 

حفظ  

 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة