أيتها «الوسطية» الجميلة صباح الخير ! ها أنت يا سيدتي تدخلين حياتنا وقاموسنا اللفظي كزائر مخاتل.
زائر يسرقنا أجمل ما فينا (طيبتنا)، يدلف إلى محاجرنا، يتسلل إلى عقولنا، ممتطيا اللغة الفضفاضة التي تمنحه القدرة على المناورة والتمويه ! لقد بتّ يا سيدتي «حصان طروادة» الذي يمتطيه بائعو الموت، وأعداء الحياة، اعتقادا منهم بقدرتهم على التخفي والخداع ؛ وينسون وقد انكشفت سحناتهم الرمادية، وأهدافهم الشريرة أنهم لم يعودوا يخدعون إلا أنفسهم (كيف أصدقك وهذا أثر فأسك) ! أحيانا..كنت أتساءل -يا سيدتي-أيّ شيء يريده هؤلاء المتوجسون من الآخر من جراء التوغل في معاداة الحياة والجمال، وحق الآخرين في أن يعيشوا بعيدا عن لغة الموت والإقصاء و»التمرتس» خلف النصوص الداعية إلى محاربة «طواحين الهواء».
والملفت أن الكثيرين ممن ألبوا الشباب في فترات ماضية وألقوهم في أتون الجهاد العبثي، ركبوا سفينة الوسطية بعد أن تحول بعض تلاميذهم إلى قتلة وإرهابيين (ما علينا !) حين أبحث عنك يا سيدتي في الشارع والمسجد والميادين العامة تعتريني الدهشة، ويتملكني الحزن، فهناك فرق بين ما أسمعه وما أراه، حتى لا يخيل إليّ أن هناك حملة خفية تدعو إلى أن تكون الوسطية شعارا مظهريا، بينما ندعو في الخفاء إلى التشدد ومحاصرة المجتمع والتضييق على عباد الله الطيبين ...خذوا أمثلة من قارعة الطريق : تبحث عن مطبوعات ترغبها من إحدى البقالات التي تبيع الصحف والمجلات عادة لجلب الزبائن -أمثالي- فيأتيك الجواب من البائع «الأجنبي»: مجلات ما فيه !، وحين تسأل : ليه يا صديق ؟ يجيبك : فيه مطوع قال لكفيل هذا حرام فيها صور !.
تفهم بصعوبة وتتساءل : هل وصلت الوسطية إلى هذا الحد ! وفي شارع جنوبي تلحظ ثلاثة من الرجال يصرخون في شاب يستمع في سيارته إلى أغنية: «صك» المسجل الأغاني حرام ! ولأنك «متعدي وعابر سبيل» لا تملك إلا أن تبلع ريقك وأنت تتمتم (عاشت الوسطية !).
في الصباح الباكر تذهب إلى مدرستك, يرتفع علم بلادك ونشيدها الوطني في طابور الصباح، تشعر بالزهو والفخر بهذا الوطن العظيم وتقف احتراما لهذا الرمز، بينما ترى بعض المعلمين يديرون ظهورهم وينصرفون, باعتبار الوقوف للعلم «بدعة» (وكل بدعة ظلاله) ! تلتفت إلى طلابك وخريطة وطنك المقدس، وتحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه ؛ على نعمة الوسطية ! تحضر بالصدفة موعظة دينية في أحد المساجد فتسمع واعظا متشنجا يقسم بالله على أن التلفزيون اختراع شيطاني من أعداء الإسلام الهدف منه تدمير شبابنا وفتياتنا، وأن من يدخله منزله «ديوث» ! تتلفت يمينا وشمالا ظانا أنك المعني لا غير من ذلك، وتنسحب بهدوء ..داعيا للوسطية بالثبات ! تذهب إلى منزلك متعبا وتدير «الريموت كنترول» على إحدى القنوات فتسمع واعظا يقول إجابة على سؤال عن حكم التصوير : انه حرام بواح ! تبلعها، وتنظر إلى صورتك المعلقة على الحائط بإشفاق ... أيتها الوسطية الجميلة-كما يراك المتشددون- : كم من القبح يرتكب باسمك !!