جدة - عبدالله الدماس - علياء الناجي

بثقة وروح عالية وإصرار على التحدي يقفن خلف أجهزة الكاشير فتيات سعوديات يؤدين عملاً شريفاً في إطار خصوصية مريحة كما تحدثن بل إن عملهن ضرورة لخدمة العائلات اللواتي قد يجدن الحرج الكبير من التعامل مع الكاشيرات من الرجال وفي الوقت الذي ترتفع الأصوات مطالبة بتطبيق قرار اقتصار مهنة بيع الملابس النسائية على النساء هناك من يرفعون أصواتهم بالاعتراض على عمل الكاشيرات وربما عمل المرأة إطلاقا.

(الجزيرة) رصدت عمل الكاشيرات على الواقع وتابعت السجال الاجتماعي الذي انتقل من أرض الواقع إلى الساحات الافتراضية عبر موقع الفيس بوك إثر عمل الكاشيرات الذي بدأ خلال شهر رمضان المبارك وكانت هذه حصيلة المتابعة:

أحمل المؤهل الجامعي إلا أنني ظللت طيلة سنوات أربع أبحث عن عمل مناسب، أعمال عدة لم أستمر فيها طويلاً لظروف منها ضعف الراتب وعدد ساعات العمل المتواصلة، إلا أنني أحمد الله أن سخر وسهل لي هذا العمل «قالتها المحاسبة (الكاشيرة) السعودية عبير بارتياح وشعور بالأمان.

نعمل في خصوصية

وأضافت عبير ممتدحة عملها الجديد: «أنا وزميلاتي نعمل في جو يسوده التفاني، نقدم الخدمة لعملاء المركز وزبائنه من العائلات في خصوصية تامة؛ فأغلب العائلات لا تريد الانتظار ومزاحمة الرجال عند المحاسبة».

أما زميلتها عهود فتتحدث عن خصوصية أخرى هي خصوصية (الكاشيرة) نفسها قائلة: «أهلي مطمئنين علي لأني أعمل في مكان آمن وواضح للعيان حيث الخصوصية التي عملت عليها إدارة المركز، أيضاً أنا أتقاضى راتباً لا يقل عن (2750) ريالا، وهذا مبلغ يساعدني على قضاء حاجتي وأسرتي بينما كنت في وقت سابق موظفة بنصف ما أتقاضاه حاليا رغم زيادة عدد الساعات التي كنت أعمل بها, في حين أنني هنا أعمل ثماني ساعات، الأمر الذي أصبح مصدر ارتياح لي ولأسرتي ولإخواني الذين أصبحوا سعداء بعدما أصبح بوسعي قضاء وقت أكبر معهم وأيضا أصبح بوسعي تلبية رغباتهم.

وتنضم إليهن مشرفة الكاشيرات لمياء قائلة: «مر أكثر من شهر على عملنا ونحن نتلقى دعماً كبيراً من الأهل، وكل من يعرف أننا نعمل في مثل هذه المهنة يشجعنا؛ لأنه عمل شريف نخدم به شريحة كبيرة من المتسوقين من العائلات داخل المراكز التجارية», وتضيف لمياء: «لم نصادف معارضة إلا من فئة قليلة وبعد التحاور معهن وتوضيح وجهة نظرنا وظروفنا بجميع أبعادها اقتنعن بكلامنا». وطالبت لمياء المعارضين لعمل المرأة في مثل هذه المهنة بالعدول عن هذا الرأي قائلة: «نحن نعمل وفق خصوصية تامة لا يكون فيها الاختلاط مع الرجال أو خلافه، ولا نقدم خدمة المحاسبة إلا للعائلات من متسوقي المركز وفق بيئة نسائية بحتة، فلماذا إذن تلك الآراء المتشددة التي نقرأ عنها في الإنترنت والدعوات بالمقاطعة، خصوصاً وأن هذا البلد لن يقوم إلا بسواعد أبنائه وبناته معاً، فنحن جيل المستقبل».

تأييد واسع

«الجزيرة» تحولت إلى الجانب الآخر (المتسوقات) حيث عبرت أم يونس، إحدى المتسوقات وهي موظفة، عن مفاجأتها بوجود قسم مخصص للعائلات في المركز «فنحن لم نعهد مثل تلك التجربة من قبل، ولقد كانت سعادتي كبيرة لوجود مثل هذه الأقسام في المراكز التجارية الكبيرة فنحن نعاني الانتظار في صفوف الرجال كثيرا عند التسوق حتى يصلنا الدور، ما يجعلنا نتحرج عن السؤال والاستفسار عن بعض الأغراض التي نريدها», وشاركتها الرأي أم هند بالقول: «أحسسنا بخصوصية حقيقية خلال التسوق، وكم هو جميل أن نرى بنات وطننا يقمن بمثل تلك الأعمال التي كانت في وقت سابق حكراً على الرجال» موضحة أن «المرأة السعودية إذا أعطيت الفرصة فإنها ستثبت جدارتها وستعمل بإخلاص فقد أصبحت تملك الخبرات والمؤهلات التي تساعدها على القيام بالعديد من الأعمال». أما الشاب محمد الوادعي الذي جاء مصطحباً أخته للتقديم على وظيفة كاشيرة لدى إدارة المركز فسألناه عن ارتياحه لعمل المرأة في هذه المهنة وأجاب بأريحية عالية: «عند سماعنا عن توظيف كاشيرات أخيراً ألحت عليّ أختي التي كانت ترغب في وظيفة أن أذهب معها إلى المركز للتقديم، فأتيت اليوم لمشاهدة الوضع ومكان العمل وكما ترى فالعمل في مكان خاص بالعائلات والخصوصية حاضرة بوجود سواتر زجاجية فاصلة؛ ما دفعني إلى الحضور أنا وأختي إلى إدارة المركز وتقدمنا بطلبها إلى الوظيفة المتاحة ووجدنا الترحيب الكبير من قبل إدارة المركز للعمل، والآن نجهز الأوراق والمتطلبات اللازمة للتوظيف».

ماضون في التجربة

وعن هذه التجربة الفريدة تحدث ل(الجزيرة) فهد القاسم المدير الإداري للمركز الذي يتولى توظيف الكاشيرات قائلا: «إن فكرة توظيف النساء ليست جديدة بالنسبة لنا فلدينا قسم نسائي كامل تم افتتاحه خلال الأعوام الماضية يقوم على إعداد جميع أنواع الحلويات والمعجنات التي نقوم ببيعها في المركز حيث يقوم المصنع والمعمل الخاص بتصدير أعمال النساء العاملات فيه إلى المراكز والفروع الأخرى التي لدينا في مدينة جدة لبيعها على العملاء والزبائن، وهناك في مصنعنا تعمل الفتيات والنساء في خصوصية تامة مع وجود إدارة ومشرفات نسائيات يقمن بالمراقبة عليهن, لذلك كانت التجربة السابقة كفيلة بأن يكون تطبيق فكرة توظيف الكاشيرات من السهولة علينا نظرا لمعرفتنا التامة بالمتطلبات والإجراءات العملية لذلك, وقد أخذنا الخطوة على مسؤوليتنا في الوقت الذي تراجعت فيه مراكز أخرى عن تطبيق فكرة توظيف الكاشيرات بعد أن واجهت حملة عنيفة من معارضين لعمل النساء في تلك المهنة داخل المراكز التجارية».

وعن تأهيل الكاشيرات لدورات محاسبية والرواتب الممنوحة لهن أوضح القاسم أن جميع الكاشيرات خضعن لدورات تدريبية استمرت لأكثر من أسبوعين «والحمد لله اجتزن الدورات بنجاح خلال الأسبوع الأول حيث تم تعريفهن بدورة العمل التجاري وكيفية التعامل مع الأجهزة والأدوات المحاسبية؛ ليتم تعيينهن وفق سلم رواتبي تم إعداده لذلك، فتتقاضى الكاشيرة راتبا قدره 2750 ريالا فيما المشرفة 3000 ريال أما المساعدة وهي التي تقوم بإدخال الأغراض إلى الأكياس المخصصة لذلك فتتقاضى 1600 ريال «مبينا أن هناك فترة تجريبية لمدة ثلاثة أشهر وفق عقود تم توقيعها معهن» وبحضور أولياء أمورهن الذين أبدوا سعادة كبيرة لوجود بناتهم في أعمال شريفة وفي مكان مخصص للعائلات». وأضاف المدير الإداري: «وبعد اجتياز ثلاثة أشهر الأولى من العقد للموظفات سيتم تقييمهن وتعيينهن رسميا وحصولهن على البدلات اللازمة والتأمين الطبي».. مشيراً إلى أن «طلبات الوظائف لدينا وصلت لأكثر من 1000 طلب جميعها لنساء يرغبن بالتوظيف بمهنة كاشيرات، حتى الآن تم توظيف أكثر من 20 واحدة منهن في جميع فروع المركز إضافة إلى وجود مراقبات أمن منذ سنتين يعملن على مراقبة الأمن داخل المركز ومنع السرقات التي كنا نعاني منها في وقت سابق دون أن نستطيع التدخل، وأوضح القاسم أنه لم يشهد أي ردود فعل عكسية على القرار إلا من بعض المتصلين المجهولين الذين لا يريدون أن يفصحوا حتى عن أسمائهم، مبينا أن «وزارة العمل دعمت قرارنا في التوظيف وفق الاشتراطات المطلوبة».

ضوابط واشتراطات

إلى ذلك أوضح مصدر في مكتب العمل بجدة أن تطبيق عمل النساء في المراكز والمتاجر الكبرى يأتي وفق ضوابط واشتراطات يتم إلزام أصحاب تلك المراكز بتطبيقها ومن ضمنها وجود حواجز مناسبة في مواقع عمل النساء إضافة إلى الالتزام بالاحتشام خلال أوقات العمل. وبين المصدر أن إتاحة مثل تلك الفرص ستوفر وظائف للنساء المؤهلات قد تزيد على ثلاثة آلاف وظيفة في تلك المراكز».

مؤيدون ومعارضون

وشارك الفيس بوك في دعم توظيف الفتيات السعوديات بمهنة «كاشيرة» فقد تم تصميم صفحتين للمؤيدين والمخالفين حيث تفوق المؤيدين بفارق ألفي صوت تقريبا.

فقد بلغ عدد المؤيدين لعملهن عبر صفحة الفيس بوك تحت عنوان (حملة تقليص نسبة العاطلين والعاطلات) قرابة (7492) ألف مؤيد ومطالب من الجنسين، وبلغ عدد المخالفين لعملهن على صفحة أخرى بعنوان «حملة مقاطعة عمل النساء كاشيرات» من الجنسين قرابة (4716) ألفاً فقط. وفي السياق ذاته علت الأصوات التي تطالب عبر صفحاتها التي أنشئت من منطقتي الرياض وجدة بانضمام أكبر عدد من الأفراد إليها وإقناع الزائرين برأي الصفحة وهدفها، وكانت صفحة المخالفين لعمل الفتيات «كاشيرة» تطرح الرأي من منظور القائمين عليها بخوف الحملة على الفتيات لا سيما وأن عملهن يعرضهن للمخاطر على حد تعبير الحملة وارتأت في ذات الوقت توفير فرص تناسب طبيعة عمل المرأة وكتبت حملة المقاطعة على صفحتها الرئيسية على الفيس بوك مطالبة بالتوقف والرجوع عن قرار امتهان بنات المسلمين بتوظيفهن كاشيرات في الأسواق التجارية بعد أن أعطت مهلة للرجوع عن القرار، وقد تم البدء في المقاطعة من تاريخ 15-10-1431ه لتشمل جميع مناطق المملكة لمقاطعة الأسواق التي ستوظف الفتيات (كاشيرة) حسب مجهولين على صفحة الفيس بوك. وفي المقابل ارتأت الحملة المؤيدة لعملهن على صفحة (فيس بوك) أن عدد العاطلات بالمملكة في ازدياد ولاسيما أنه لا تتوافر فرص عمل كافية للنساء، موضحة في الوقت ذاته أن الحاجة باتت مُلحة لخلق فرص عمل للنساء ولا سيما أن عددا كبيرا من النساء يعلن أسرهن. وصرح أحد أعضاء الحملة المؤيدة لعمل الفتاة «الكاشيرة» بأن الحملة أنشئت لدعم الجهود بتقليص نسبة البطالة في المجتمع السعودي سواء كان العامل رجلا أو امرأة «كل من الجنسين لهما الحق في العمل وكسب الرزق الحلال فكسب حلال أفضل من التسول أو استقبال الأموال من الجمعيات الخيرية للجنسين من الإناث والذكور». ورأت الحملة أنه إذا كانت القضية قضية اختلاط «فلا نرى أنها تخالف الشرع إذا كانت داخل إطار العفة وعدم التبرج». وشهدت الصفحتان على (فيس بوك) حوارات ساخنة بين الطرفين وكانت هناك محاولات لتهدئة حدة الحوار بين الطرفين بمطالبة من الأعضاء المنظمين للحملتين بالتركيز على هدف كل حملة دون صراعات. ومن جهته أكد علي سعيد أحد أعضاء حملة مقاطعة عمل السعوديات «كاشيرة» على (فيس بوك) ل(الجزيرة) أن الحاجة باتت مُلحة للتمسك بالأسلوب الطيب والحوار الهادئ لإثبات كل حملة رأيها مطالبا في الوقت ذاته أعضاء حملته بالصفحة ذاتها بالتمسك بمبدئهم وعدم التنازل عنه وإظهار شفقتهم على إخوانهم وأخواتهم في الحملة المضادة لهم مشددا في الوقت ذاته على الابتعاد عن القذف والشتائم كونه يزيد الطرف الآخر عنادا وتعصبا لرأيه «وبذلك يكون أسلوبنا يراعى فيه الرفق والالتزام بآداب الحوار «وشاركه الرأي خالد أحد الأعضاء بالحملة ذاتها أن «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» مشددا على ضرورة تخفيف حدة النقاش من قبل أعضاء الحملتين فالقضية لا تعدو كونها حوارا وتصويتا لا قتالا وعنادا موضحاً أن المتحاورين في الحملتين أبناء هذا البلد ويتحاورون لإثبات الرأي الصحيح لمحاولة إيصاله لأصحاب القرار.

وفي المقابل قالت عفاف إحدى العضوات الداعمات للحملة عبر صفحة (فيس بوك): «لا توجد فرص عمل للفتيات ونسبة العاطلات في ازدياد ولا شيء يمنع المرأة من العمل ما دامت متمسكة بحجابها الشرعي ولا سيما أن عمل الفتاة «كاشيرة» لا نهدف من خلاله إلى التمتع بالحرية كما يعتقد بعضهم وإنما نوسع مجالات العمل للنساء لاستيعاب الخريجات وكون وضع مسارات للعوائل في حال عمل الفتاة «كاشيرة» لا ضرر فيه ولا سيما أن الفتاة تتعامل مع سائق المنزل ومع بائع المحلات التجارية فلا حرج في ذلك»،

وشاركها الرأي ماجد أحد الأعضاء في الحملة ذاتها أن «عدد الخريجات كثير ولا عمل لديهن فمثلا خريجات أقسام الخدمة الاجتماعية حاجة سوق العمل لهن بسيطة لأن قطاع التعليم يحتاج اثنتين للمدرسة الواحدة وعشرات أخريات في المستشفيات والجمعيات الخيرية أو منشآت أخرى» مستدركا بقوله: «وآلاف الخريجات المتبقيات أين يعملن؟».