لم يسبق لنا أن استفتحنا صباحنا بقراءة خبر كئيب من نوعية مقتل عشرة معلمين أو وفاة ثمانية مهندسين أو موت تسعة أطباء في حوادث سير، لكننا اعتدنا أن نقرأ وفاة ست معلمات وعشر وخمس عشرة في حادث أليم وهن في طريقهن إلى مدرستهن؟
لا تحتاج المسألة إلى ذكاء ومستوى عال من التفكير حتى ندرك أن السبب في تكرار مثل هذا الخبر المرير يعود لكونهن نساء تجبرهن القوانين الاجتماعية. (سمو الأمير نايف بن عبد العزيز صرح قبل أعوام بأن قيادة المرأة للسيارة شأن اجتماعي لا تفرضه الدولة).
حتى الآن يجبر الشأن الاجتماعي النساء على التحاشر في سيارة نصف عمر خلف سائق أجنبي محبط، أو شاب سعودي مشطور الفؤاد من البطالة والسهر، أو شيخ أجبرته الحاجة على التسمّر خلف مقود سيارة نقل معلمات لساعات طويلة مرهقة. لأنهن يردن العمل ويردن الحياة ويحتجن للمال مثل كل سائر البشر الطبيعيين؟!
إن حدث وتذمرت النساء من هذه الظروف الغريبة التي تحيط بخروجهن للعمل كانت لهن بالمرصاد ملايين الأصوات المحتسبة المتربصة تهاجمهن وتلاحقهن وتقول لهن بصيغة التهديد والوعيد: (جايز لكن ولا البيت أولى بكن)!!!!
كل الحلول الاجتهادية التي تأخذ من وقت وجهد ومال وزارة التربية في حل مشكلة حوادث المعلمات لن تقتلع المشكلة من جذورها، فعلى الرغم من القرار الاستثنائي الفريد من نوعه في العالم الذي لجأت إليه الوزارة وتحمّلت على أثره الكثير من الانتقادات وهو اشتراط السكن في مقر العمل حتى تقلّل من كابوس حوادث سير المعلمات الصباحي المحزن بينما الطبيعي أن الوظيفة للأكثر كفاءة وعلى الموظف أن يتدبر شؤونه، حيث يصرف له بدل نقل وبدل ناءٍ وهو معني بالالتزام بوقت العمل سواء جاء بطائرة أو نزل ببراشوت أو نقل سكنه إلى مقر العمل هذه التفصيلات شأن خاص في الموظف، المحك هو اختيار الأكفاء من بين المتقدمين والمتقدمات - على كل ما بذلته إدارات التعليم من جهد مضن ليس من دائرة اختصاصها وهو التأكد من سكن الموظفة في المنطقة المترشحة أو مشروع النقل المدرسي للمعلمات الذي سيستغرق من الوزارة جهداً ووقتاً ومالاً سيكون تأثيره في الحد من حوادث السير محدوداً لأن المشكلة اجتماعية وقانونية، على كل هذا وغيره كثير لن نتخلص من الموت الجماعي للمعلمات إلا إذا توكلنا على الله وجعلنا لكل امرأة الخيار في أن تمتطي راحلتها وتقودها إلى أن تصل إلى مقر عملها بأمان ودون أن تلجأ إلى راحلة أعياها الدهر تتحاشر فيها مع عشرات الأجساد خلف سائق نصف نائم. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.