في أول يوم من برج الميزان تحتفل بلادنا العزيزة المملكة العربية السعودية بيومها الوطني المجيد، ذلك اليوم الذي علا فيه الحق وانهزم الباطل.. فإنه بحق يوم مجيد، إنه بحق يوم الحصاد، إنه بحق يوم جني الثمار، إنه بحق يوم ارتفعت فيه هامات الأحرار معانقة السماء، فما ألذ وأحلى من طعم ذلك اليوم. إننا اليوم نسجل ونعترف لذلك الملك العظيم، الذي جعلنا بأمجاده العظيمة نسمو ونفاخر.. إن ساحتنا اليوم محفوفة بالأشجار والثمار اليانعة، فهذه حلوة وتلك أحلى، فما من مواطن يدب على أرض هذا الوطن إلا يقدر ويثمن هذا اليوم عبر أمجاد ملك عظيم.. إن الذي يريد أن يكتب عن الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - يحتار في ذلك؛ أيكتب عنه على أنه رجل فقه ودين يستطيع بفهم لماح أن يستنبط ويجتهد في هذا المنشط، أو يكتب عنه على أنه رجل اقتصاد يعرف مدى حساسية هذا العلم فيعرف منحنياته الصاعدة والهابطة، أو على أنه رجل سياسي محنك يعرف كيف يُفاوض في دبلوماسية براقة لا تعرف الدهاليز المظلمة، أو يكتب عنه على أنه رجل عسكري شجاع مكانه في الصف الأول، أو يكتب عنه على أنه رجل إداري يكون رئيساً تحسبه مرؤوساً من التواضع، فما من صفة حميدة إلا هي موجودة في هذا الرجل؟.. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
إن المتتبع لسيرة ومسيرة هذا الرجل العظيم ليحتار من كثرة الإنجازات ومساعي الخير؛ فإنجازات هذا الملك أكثر من أيامه ولياليه، فالملك عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه - رسم سياسة هذه الدولة بأمهر المقاييس وأسندها على أروع المثل والمبادئ؛ لتبقى طويلاً بإذن الله تعالى، ذات غرس يؤتي ثماره كل حين بإذن الله.. وإننا اليوم نتفيأ تحت ظل هذا الغرس ونقطف من ثماره؛ فما العيش الرغيد والأمن الوارف إلا من ثمار هذه السياسة الحكيمة التي رسم خططها الملك عبدالعزيز عبر دستور عظيم ألا وهو القرآن الكريم، فالملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - يؤكد دائماً بتأكيد لا تشوبه شائبة، وبحزم لا يعانقه تردد أنه لا رقي لنا ولا سؤدد إلا عبر هذا الدستور الذي يستنبط قوانينه وأحكامه من هذا الوحي الطاهر، ولا غرو في ذلك؛ فالملك عبدالعزيز ابن لأب، وحفيد لجد تربوا على هذا الدين وشربوا من منهله العذب فتمسكوا تمسك الرجل المستبصر لا إفراط ولا تفريط، وبعاطفة معتدلة غير جامحة تنداح بالمسلم عن دائرة الإسلام، ولا بحماس مفرط يطوح بالشخص عن الغاية النبيلة، فالملك عبدالعزيز - رحمه الله - ذو استتباع فكري عميق ينظر في الغد كأنه اليوم.. إنْ دل هذا على شيء فإنما يدل على أنه شخصية ذات كارزما، ما من منشط من مناشط العلوم إلا وأمسك بزمامه.. إننا لو ألقينا نظرة فاحصة متأملة على سيرة ومسيرة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - لوجدنا أنه قدم لهذه البلاد العزيزة أشياء مهمة والجميع على علم بها، ولكن هناك شيئاً يغيب عن البعض، ولاسيما ممن لم يعاصر الملك عبدالعزيز وتلك الأحداث التي كانت في عهده، وإن هذا الشيء المهم الذي قد يغيب عن البعض هو أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - نأى ببلادنا بعيداً عن تبعات الحرب العالمية الثانية، تلك الحرب التي اكتوى بنارها جميع الدول، هذا فضلاً من كون الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بذل جهوداً جبارة مضنية حتى لا تطول هذه الحرب بتبعاتها البلدان العربية، بل لا أبالغ إذا قلت بلدان العالم أجمع. إنه يتملكني أحياناً العجب والاندهاش كيف أن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - استطاع في فترة من الزمن وجيزة لَمّ شتات هذه الكيانات المتناثرة المتناحرة، وجعلها تنضوي تحت لواء واحد، تحمل هدفاً واحداً، فوحّدها المغفور له في ذلك العام الذي لا أعتقد أن أحداً ممن يدب على ظهر مملكتنا ينساه!! وحينما أقول مثل هذا الكلام فإني لا آتي بفضل مزيد جديد؛ فكل سوف يقول مثل هذا، ولكن إن كان لمقالي هذا بيت قصيد فسأقول فيه: إن جميع سكان المملكة العربية السعودية اليوم، أقصد الأجيال الحاضرة والأجيال اللاحقة، يحسبون أنهم يعيشون هذا العيش الرغيد والأمن الوارف مصادفة.. أقول: كلا؛ إن ما ننعم به اليوم هو نتاج جهود جبارة قام بها المؤسس ورجاله فأهرقوا الدماء والعرق، وبذلوا الغالي والرخيص لما نتفيأ ظلاله اليوم.. وحينما أرصد مسيرة الملك عبدالعزيز فإني أرى عجباً واندهاشاً من كونه يقود شعباً كان آنذاك يحارب هذا الشعب كل معطيات الحضارة والمدنية، فالناس على عهد الملك عبدالعزيز كانوا أناساً منغلقين لا يتفاعلون ولا ينصاعون لمعطيات الحضارة والمدنية مختلفة.. فكان الملك عبدالعزيز - رحمه الله - يملك حنكة سياسية ورأياً مقنعاً عبرهما سايسهم فجلب لهم معطيات هذه الحضارة بكل رفق وتؤدة دون أن يخدش مشاعرهم. إن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - صاغ لهذه البلاد العزيزة نهجاً يحتذى به في مناهج العلوم السياسية والعلاقات الدولية ناهيكم عن كونه رجلاً لا يعمل في دهاليز مظلمة.. بل كان شفافاً لا يبرم أمراً بليل، بيد أنه مع هذه الصراحة والشفافية يعرف خفايا الرجال، فهو يملك فراسة أجزم أن تكون نادرة في الرجال. إن مكتسبات القادة ورجال السياسة عادة لا تتأتى إلا من خلال تضحيات تضر بالآخرين، لكن الملك عبدالعزيز - رحمه الله - نال مكتسباته السياسية وغيرها دون أن يدفع أحد ضريبة لتلك المكاسب.. ليس هذا فحسب بل إنه حوّل خصومه إلى أصدقاء، ساهموا معه في البناء والتشييد، ولا غرو في ذلك فكان ينهل منهجه من تعاليم الإسلام. إن الذي لم يعاصر الملك عبدالعزيز ولم يدرك سيرته فإني أراه قد يدركها في سير أبنائه، فهم قد اتخذوه أسوة حسنة، من لدن الملك سعود إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله - حفظه الله - فما أكبر حظنا وما أسعدنا أن نتفيأ ظل دوحة ملوكنا السابقين واللاحقين. وإن كان لمقالي هذا بيت قصيد فإنه يتمثل في التشديد على اللحمة الوطنية والوئام والانضواء تحت رايتهم، فما رغد العيش وما الأمن الوارف إلا من نتاج الوحدة الوطنية وطاعتنا لولاة أمرنا، فقد يشيب الغراب ولا يشيب ولاؤنا لهم.. فلهم منا السمع والطاعة في المنشط والمكره.
والسلام عليكم.
بريدة