مناسبة ابتداء العام الدراسي من المناسبات المهمة؛ وهي مناسبة جديرة بالاهتمام، تحتاج إلى شيء من التذكير والعناية لأن بعض الناس؛ بسبب إهماله وعدم مبالاته لا يكترث لهذه المناسبة فتفوت عليه أمور مهمة. فمن الناس مَنْ لا يبالي في أبنائه ولا في دراستهم، ولا في عودتهم حيث إن هذه الأمور صارت عنده كالعادة، بل من الناس من لا يهتم بشأن أبنائه، فتجد أن آخر عهده بهم يوم أن سجلهم في مدارسهم، فكثير هم الذين لا يعرفون صفوف أبنائهم، ولا مدرسيهم ولا زملاءهم. بل منهم من بلغ به التفريط إلى أنه لا يعلم في أي مرحلة يدرس أبناؤه، ولا مع من يذهبون ولا من يجالسون، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الإهمال الكبير، والتفريط المتناهي، وعدم الاعتناء بالتربية.
فمع بداية العام الدراسي، ينبغي لكل أب أن يغرس مبادئ مهمة في نفوس أبنائه، وفي مقدمتها الإخلاص في طلب العلم واستشعار أهميته وفضله لأن الإخلاص قضية مهمة يهملها بعض الآباء ولذلك نسأل بعض الطلاب وقد يكون السؤال في مادة شرعية: لماذا تطلب العلم يا فلان؟ لماذا تأتي إلى المدرسة ؟ فيقول: لا أدري ! أو يقول من أجل الوظيفة ! أو يقول من أجل الراتب!
فصار طلب العلم عند أكثرهم لأهداف غير واضحة، أو لمقاصد سيئة. فمن الواجب على أولياء الأمور، وكذلك المدرسين، ومدراء المدارس الاهتمام بقضية الإخلاص، إخلاص النية في طلب العلم. يقول عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} وفي الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار)). وفي رواية: ((لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيَّروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار.. النار)). فالقضية خطيرة أيها الأخوة.
فغرس الإخلاص، في نفوس الأبناء منذ نعومة أظفارهم أمر من أهم الأمور. ومن أخطر آفات العلم، وأسباب محق بركته أن يكون لغير الله جل جلاله.
ومن الأمور التي تجعل الأبناء يقبلون على طلب العلم معرفة ما أعد الله عز وجل لمن سعى في طلبه. نعم أخي القارئ الكريم وعد الله من سعى في طلب العلم أجورا عظيمة لو استشعرها الأبناء لجعلوها أهدافاً سامية، يسعى كل واحد منهم إلى تحقيقها وإلى الوصول إليها، وهي والله أسمى من الوظيفة وأعظم من الراتب. لو علم الطالب وتيقن، ما أعد الله له من الأجور، وماله من الفضل، لصارت الوظيفة أمرا ثانوياً ولصارت الدنيا وحطامها في مؤخرة اهتماماته. فينبغي لنا تعليق أبنائنا بما عند الله، ولا نجعل أكبر همهم هذه الدنيا الملعونة الفانية. نذكرهم ببعض النصوص التي تُبيَّنُ فضل طلب العلم كقوله عز وجل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ?، وكقوله عز وجل: ?قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ?، ونذكر لهم بعض الأحاديث، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة وإن الملائكة لتضعُ أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)).
ومن الأمور المهمة التي ينبغي لنا أن لا نغفل عنها، وخاصة مع بداية الدراسة، وينبغي لنا أن نغرسها في نفوس أبنائنا الطلاب احترام المعلم. فإذا احترم الطالب معلمه استفاد منه، استفاد من علمه، استفاد من أدبه، استفاد من تجاربه؛ ولذلك يقول الشاعر، وقد صدق:
إن المعلم والطبيب كليهما
لا ينصحان إذا هما لم يكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه
واصبر لجهلك إن جفوت معلما
فالمعلم جدير بالاحترام، جدير بالإكرام، وأعني بالمعلم ذلك المعلم المخلص، الذي يبذل ما بوسعه من أجل تعليم الأجيال وتربية النشء، وتقويم سلوكهم، فمعلم كهذا من واجب الأمة، شكر جهوده، والاعتراف بفضله، ومعرفة قدره.
ومن الأمور المهمة التي يجب أن تغرس في نفوس الأبناء وهم يستقبلون عامهم الدراسي: تقوى الله عز وجل فهي من أسباب تحصيل العلم، يقول جل جلاله: (وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
يقول صاحب المصباح المنير: (واتقوا الله: أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره) (وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ) كقوله: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)، وكقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، فالتقوى من أهم الأمور التي يجب أن يتحلى بها الطالب، وهي خير زاد يتزود به.
فإذا اتقى الطالبُ، جُعِلَ له فرقاناً؛ أي نجاة ومخرجاً وفصلاً بين الحق والباطل. بل وجعل له نوراً يمشي به وغفر له والله غفور رحيم.
حائل