لم تعُد الحروب تعتمد على الواجهات العسكرية، ولم تعد الطائرة المقاتلة والدبابة والبندقية وحدها سلاح المعركة؛ فقبل دخول الإنترنت والتقنية الإلكترونية ساحة القتال كانت المخدرات من أولى الوسائل التي أدخلتها الأمم المتصارعة ميادين القتال، والجميع يتذكر كيف وظفتها بريطانيا لاجتياح الصين والهيمنة عليها.
الآن تُستغل المخدرات لاستهداف الأمم والشعوب التي يرى فيها أعداؤهم أنهم يحققون مستويات عالية من التقدُّم تجعلهم يتراجعون في مواجهتهم. ولأن الشباب هم عماد الأمم والشعوب، وبهم يتحقق النمو والتقدُّم، فإن القوى المعادية تُركّز وتُوجِّه سهامها إلى هذه الفئة العمرية، مخزن القوى لدى الأمة.
هؤلاء الشباب الذين سيأخذون على عاتقهم تحقيق طموحات مواطنيهم وأهليهم، وينفذون برامج التنمية المستدامة وصولاً إلى أعلى درجات التقدُّم، يسعى الأعداء إلى تجريدهم من أهم مقومات القوة والقدرة: العقل والصحة، والانسلاخ من أخلاق المجتمع؛ ليتحولوا إلى أدوات طيِّعة لتنفيذ إملاءات القوى المعادية إما بالتورط مباشرة في هذه العمليات الإجرامية أو الرضوخ لمارد المخدرات بالتعاطي وتعطيل مقومات القوة والإنتاج كافة. والذين يوظفون المخدرات لتحطيم الشعوب يعرفون كيف يختارون الدول التي يستهدفونها، مراعين في ذلك اعتبارات عدة، منها: نسبة الشباب في مكونات المجتمع. ثانياً: القدرة المالية للمجتمع المستهدَف؛ حيث تكون القدرة المالية حافزاً ومساعداً على تجنيد المروجين ومهربي المخدرات والذين يتاجرون بهذا السلاح المدمر. وإذا ما توافرت هذه الاعتبارات في دولة ما يراد تدميرها والحد من تأثيراتها الاستراتيجية والنفوذ الإقليمي والدولي تصبح هذه الدولة مستهدفة، وهي الاعتبارات نفسها التي جعلت من المملكة العربية السعودية هدفاً لأعداء الأمة والمسلمين والعرب؛ لذلك فقد استُهدفت بالعديد من عمليات تهريب المخدرات التي استرعت انتباه المتابعين للكميات الكبيرة التي وُجِّهت إلى المملكة وأحبطت الأجهزة الأمنية وصولها إلى شباب المملكة بكل احترافية ويقظة.
هذا النجاح الكبير الذي أبرزته الضبطيات، التي تُعلَن بين الحين والآخر عبر الأجهزة الأمنية المختصة، بقدر ما يكشف القدرة الفائقة لهذه الأجهزة لإحباط مؤامرات أعداء الأمة، إلا أنه يُظهر حجم الاستهداف والتوظيف الشرير للمخدرات بوصفها سلاحاً لاستهداف الأمم والدول المؤثرة؛ لذا فإن الجهد الأمني المميز لا بد أن يعضده جهود تربوية وإعلامية واجتماعية لمحاصرة هذا الداء وتجنيب المجتمع شروره.
***