في لقاء من اللقاءات الثقافية في مكة التقيت بالمخرج السينمائي الفرنسي (سيرج بارد) سابقاً، (عبدالله سراح) حالياً، وقد لفت نظري كلامه العربي الواضح، ولباسه العربي بعمامته الأزهرية، مع أنه يحمل ملامح الرجل الأوروبي بوضوح، وجرى بيننا أحاديث مختلفة في موضوعات شتى، فوجدت منه وعياً إسلامياً، وإدراكاً لكثير من أحوال العالم الإسلامي وقضاياه، وعاطفة إسلامية جياشة وهدوءاً يحقق له قدراً من الوقار.
وكان معنا الشيخ إبراهيم أبو هلال رجل الأعمال المغربي الذي آثر مجاورة البيت الحرام منذ حوالي ثمانية عشر عاماً. قال عبدالله سراح: كنت مخرجاً سينمائياً ناجحاً، وقد وضعت لنفسي هدفاً فنياً كان في نظري هدفاً عظيماً، وهو أن أكون من أبرز مخرجي السينما في أوروبا كلها، وكنت قد زرت (عين صالح) في الجزائر فوجدتها منطقة مناسبة لإخراج الفيلم السينمائي الذي كنت عازماً على إخراجه، كنت في العشرينيات من العمر ممتلئاً بالطموح الفني، والإصرار على مواصلة المسيرة في هذا المجال، في الجزائر حصلت على ترجمة لمعاني القرآن بالفرنسية من إعداد الشيخ الهندي الأصل «محمد حميد الله»، فبهرني ما رأيت في معاني القرآن الكريم من الانسجام، والترابط، وشعرت أنه يخاطب فطرتي، ورأيت صورة مشرقة لمعنى الألوهية والربوبية و(التوحيد) عانقت قلبي وروحي، وزحزحت عن نفسي ما كان فيها من الاضطراب بسبب الآلهة الثلاثة في النصرانية، وبدأت أشعر بأن معاني هذا الكتاب العظيم هي التي تجيب عن الأسئلة التي كانت تقلقني إجابةً مقنعةً مريحة للقلب والعقل، وأصبح عندي حلم أهفو إليه، ألا وهو رؤية مترجم معاني القرآن الكريم إلى الفرنسية الشيخ محمد حميد الله وبدأت أتحدّث بما وقر في نفسي من أثر القرآن الكريم لبعض من كانوا حولي، وكنت أتحدث بقناعة وتفاعل، فدلني أحدهم على المفكر الجزائري (مالك بن نبي) رحمه الله، ولقيته لقاءً زاد من ترسيخ معاني الإسلام في نفسي، ثم التقيت بالشيخ محمد حميد الله فتحقق حلمي، وما كان مني إلا أن أعلنت إسلامي، ومنَّ الله عليَّ بالدخول إلى دائرة الإسلام الفسيحة المفعمة بالضياء والصفاء والنقاء.
أسلم هذا المخرج السينمائي عام 1969م فملك عليه الإسلام مشاعره، ووجد راحةً عظيمة ما كان يتوقع أنها يمكن أن تتحقق بهذه الصورة، ويمّم شطر موريتانيا وبقي فيها أحد عشر عاماً يدرس في كتاتيبها القرآن والحديث واللغة العربية، وحظي في (تمبكتو) بلقاءات زادت إسلامه رسوخاً وتألقاً.
وبعد أن استقر على شاطئ الإسلام في موريتانيا استقراراً راسخاً، عزم على التوجه إلى مكة المكرمة والسكن فيها مجاوراً لبيت الله الحرام وهو في هذا البلد الأمين منذ عام 1401هـ - 1981م.
الفرق بين ضيق حياة الكفر برغم ما فيها من مظاهر الحرية المطلقة وبين حياة الإسلام بما فيها من ضوابط الشرع فرق كبير في نظر أبي عبدالرحمن (عبدالله سراج) فهو يؤكد أن ما يسمى بالحرية المطلقة إنما هو سجن ضيق يضع الإنسان في زنزانة أهوائه وشهواته ونزواته، ويقيده بقيود قدراته البشرية الضعيفة أمام قدرة الخالق عز وجل، فيظل الإنسان في اضطراب وتذبذب ويأسٍ يجعل حياته مليئة بالشقاء، وضيق الصدر، مع أنه يحصل على كل ما تفهو إليه نفسه من رغباتها وشهواتها. إنّ هؤلاء الذين يمنُّ الله عليهم بالإسلام، ويثبتهم عليه من أقدر الناس على معرفة عظمة هذا الدين الحنيف.
إشارة:
هنا سكب الفجر الجميل ضياءه
وغنَّت حمامات السلام السَّواجع